إنْ لَمْ يَكُنْ خروجكم على نهج الحسين، فلا مُبَرر لرفع شعاره “هيهات منّا الذلّة”.
لا شك إن نهضة الحسين “عليه السلام” شكلَّت منطلقا لمواجهة الانحراف والظلم والفساد، لأنها تفيض على الشعوب ثقافة الإباء والرفض، وتستنهضها وتمدها بحرارة الثورة، وتمنحها مذاق وطعم التضحية…، ولقد تجاوزت حدودها الزمانية والمكانية والأيديولوجية، بحيث صارت مدرسة للثائرين والمفكرين والفلاسفة على اختلاف انتماءاتهم وتوجهاتهم، أمثال الزعيم الهندي غاندي والزعيم الصيني ” ماوتسي تونغ” وغيرهما….
الأمة التي تتخذ من ثورة الحسين منهاجا وسراجا يستحيل أن يتسلَّط عليها الظالمون والفاسدون وتستكين لهم وتعطيهم بيدها إعطاء الذليل، إذن ما بال مجتمعاتنا التي تدعي حب الحسين وتقيم الشعائر الحسينية عاشت وتعيش تحت وطأة الظلم والفساد والانحراف، فهل أن الخلل في إشعاعات النهضة الحسينية؟!!!، أم أن الخلل في الشعوب ذاتها؟، بديهيا لا يستطيع عاقل إلا أن يُعزي السبب في الشعوب، وكيفية تعاطيها مع الحسين وثورته وأهدافه وإحياء ذكراه الذي تقيمه على مدار كل سنة وخصوصا في شهري محرم وصفر،
فبدلا من أن تحيي الجماهير في نفسها ومن خلال نهضة الحسين حب الحرية، ورفض ومحاربة الفساد والظلم والانحراف، راحت تُجّمِّد الشعائر في جانب المأساة وبطريقة جعلت منه حاجزاً عن القراءة الصحية التامة الناجعة لنهضة الحسين وأهدافه، وأهملت جانب التأسي والإقتداء والسير على نهجه الرافض للظلم والفساد والذي هو نهج الإسلام الإلهي…
ثم تطور المشهد أكثر سوءاً، حينما سُرِقت الثورة الحسينية وأهدافها وشعائرها وصارت تجارة بيد الانتهازيين المستأكلين بإسم الحسين، فراحوا يوظفونها ويدرّونها ما درَّت معايشهم ومصالحهم الشخصية، وجعلوا منها أفيونا يُخدِّر الجماهير، وسُلَّما لتسلق الفاسدين إلى العروش والمناصب والكراسي، فبإسم الحسين وشعائر الحسين انتُخب الظالم والفاسد والفاشل، وبإسم الحسين تُرتكب الجرائم، فسالت الدماء وتفشى الفساد وذُبِحت الحريات وحلَّ الجوع والحرمان والإذلال، وافتُقد الأمان، واختطف الوطن وصار مسرحا للصراعات وتدخلات الدول الطامعة والحاقدة، ومرتعا للإرهاب التكفيري والمليشياوي، وهذا الواقع المأسوي المضطرد خير كاشف عن سلبية التعاطي مع الحسين وثورته، وان الشعارات التي يرفعها الزائرون طيلة هذه العقود عديمة اللون والطعم والرائحة لأنها لم تتحول إلى سلوك عملي ناجع، وفي طليعتها شعار الحسين (هيهات منّا الذلّة)، وشتان بين الحسين الذي عاش أبيا رافضا للظلم والفساد وختم حياته بأسمى صور الشهادة، وبين من يهتف(هيهات منّا الذلّة) وهو يعيش في الذلة والخنوع، بل مطية لمن تسبب في إذلاله وحرمانه،
ومن هنا وجه المرجع العراقي الصرخي خطابا للزائرين حمل عنوان:” ثورة الحسين …من أجل الأرامل واليتامى والفقراء والنازحين والمهجرين …“، تضمن العديد من التساؤلات التي تضع السائرين إلى كربلاء على المحك وتحت المجهر الحسيني وميزانه، طارحا من خلالها النموذج الأمثل لأحياء ثورة الحسين والمتمثل بالسير على نهج الحسين نهج الإصلاح ورفض الفساد والظلم، نهج الانتصار والمواساة للمظلومين والمهجرين والفقراء والوطن والحرية والإنسانية فكان مما طرحه من تساؤلات قوله:
((ـ وهل خرجتم من اجل القضاء على الفساد بتغيير الفاسدين ، وإيقاف الحروب والصراعات التي افتعلوها ، وكفّ تدخل الدول وصراعاتها وتصفية حساباتها في العراق
ـ فاذا لم تكونوا خرجتم من أجل ذلك فاعلموا اذن انكم تخرجون على نهج يزيد في الفساد والإفساد والخضوع والخنوع والذل والهوان …
ـ نعم اذا لم تكونوا خرجتم من اجل ذلك فإنه لا يبقى مبرر لرفع شعار الحسين (هيهات منّا الذلّة) ، نعم انه الجهل والنفاق والتغرير والخداع والإنخداع والفساد والإفساد))