نحن الشعب العربي، المنتمي للوطن العربي الكبير ولأمته العربية الواحدة، لا ولن نقبل بالنظرة التي تختزل مستقبل القطر العربي السوري في هزيمة «داعش» وفي تفاصيل تقرير مصير رئاسة الدولة.
هذا ما تطرحه القوى الخارجية وقوى العبث والحماقات الداخلية، وهذا ما يجب رفضه وتخطّيه إلى النظرة العروبية والقومية المعاضدة من دون أي تحفّظ لشعب سوريا الرائع ليخرج من محنته وليعاود لعب أدواره المبهرة المركزية في ساحات كلّ نضالات أمته من أجل التحرير والنهوض والبناء الحضاري.
النظرة القومية تلك تضع في مقدّمة الثوابت وفي قمة الأولويات المعايير المفصلية التالية، التي يجب أن تحكم كل الحلول المطروحة لإخراج سوريا وشعبها من الوحل الذي أراد المتآمرون الكثيرون أن تغوص فيه.
أولاً: لنذكُر أنفسنا بأن سوريا ليست قطراً عربياً عادياً. فالدور الذي لعبته في تاريخ وحاضر العرب كان أساسياً وقيادياً. ففي عاصمتها دمشق، وهي من أقدم مدن العالم قاطبة، تطوّر وترسّخ الدور العربي القيادي في حمل رسالة نبي الإسلام محمد (صلعم) ونشرها في أصقاع العالم، ومنها انبثقت تجربة لقيام مثال فريد للحكم العادل العفيف على يد الخليفة الراشدي الخامس عمر بن عبد العزيز، وإبّان ألقها بدأت حركة الترجمة والانفتاح على الآخر والتعريب ومأسسة الإدارة المدنية وتطوير الطّراز المعماري الإسلامي الجميل. وبالتالي فان بقاء دمشق حاضنة وعاصمة عربية لاستمرار ذاكرة وتاريخ الأمة العربية في الحاضر والمستقبل يجب أن يشير إلى عدم التنازل قط عن وحدة الوطن العربي السوري، أرضاً وشعباً ومجتمعاً وحكماً ومصيراً ودوراً عربياً متمّيزاَ في حمل رسالتي العروبة والإسلام.
ثانياً: ومثلما كانت الأرض العربية السورية منارة مشعة في التاريخ فإنها أيضاً أضاءت حاضر الأمة. فشعب سوريا أعطى المثل في كفاح كل مكوناته، دون استثناء، ضد الاستعمار الفرنسي. وشعب سوريا العربي، بتميُز مذهل، خرجت ملايينه في خمسينات القرن الماضي تطالب بوحدة قطري سوريا ومصر، ومن ثم وحدة العرب.
وما كان ذلك بغريب على مجتمع ظهرت فيه وعلى أيدي أبنائه أول حركة قومية وحدوية عصرية، في الفكر والأهداف والتنظيم والنضال والقفز فوق الحدود المصطنعة التي خلقها الاستعمار وتمسكت بها قوى التجزئة العربية.
وبسبب تلك الروح العروبية الوحدوية الصافية في الروح والوجدان والعقل السوري العربي ضحّى الشعب السوري بالغالي والرخيص ليقف كتفاً بكتف مع قلب العروبة، مصر، في كل مواجهة وحرب ضد الجيوش البربرية الصهيونية وضد تدخّلات دول الاستعمار، وليحتضن المقاومة الفلسطينية بكل أشكالها، وليدعم لبنان ضد الصهيونية، وليفتح أبواب وطنه مشرعة لكل لاجئ أو نازح أو طالب لجوء سياسي عربي، وليفتح جامعاته لكل طالب علم عربي أو طالبة علم عربية، ولينشر كتابة وغناءً وتمثيلاً ومسلسلات تلفزيونية ثقافة عروبية وحدوية مليئة بالأحلام الكبيرة وبالروح النضالية المتفائلة.
وعليه فمن أجل عدم انطفاء ذلك التوهُّج العروبي الحضاري في الأرض العربية السورية يجب أن تبقى دمشق عاصمة لكل العرب ويبقى الوطن العربي السوري موحداً، أرضاً وشعباً ومجتمعاً وحكماً ومصيراً ودوراً عربياً متميزاً في حمل رسالتي العروبة والإسلام والقيم الإنسانية الحضارية.
ثالثاً: بسبب تلك الإنجازات والأدوار، في التاريخ وفي الحاضر، وبسبب ذلك الوهج الذي أضاء على الدوام أرض سوريا العربية، وليس بسبب ألاعيب ورغبات وأهداف هذه العاصمة الأجنبية أو تلك العربية.
بسبب سوريا تلك، في التاريخ والحاضر، يجب عدم السماح بأن يسقط هذا القطر العربي المحوري في أيادي الجهاديين التكفيريين، من أعداء الإسلام المتسامح والعروبة الجامعة المتحضًة ومن ممارسي البربرية في الفكر وفي الفعل.
من أجل كل ذلك يجب أن لا ينتهي شعبه، كما يريده الأغراب والانتهازيون، إلى دخول سجون الخصومات الدينية أو المذهبية أو العرقية والثقافية أو السياسية، وبالتالي دخول جحيم التجزئة والمحاصصات والولاءات لهذه العاصمة الأجنبية أو تلك العربية.
نحن الشعب العربي نريد لسوريا العربية المذهلة، كما كانت المثال المتألق في الماضي والعصر الحاضر. أن تصبح مثالاً متألقاً في المستقبل من خلال انتقالها إلى أن تكون مجتمع التعايش السلمي تحت ظلال الحرية والديمقراطية العادلة والتعددية السياسية وتبادل السلطة والمواطنة المتساوية، وذلك من أجل أن تستمر في حمل رسالاتها، وفي مقدمتها رسالة العروبة الوحدوية للوطن العربي الكبير ولأمة العرب الواحدة. ذاك الإنسان العربي السوري المذهل في ألق حيوية روحه وإرادته يستطيع أن يفعل ذلك، ويقيناً سيفعل، ولن يحتاج للمتخلفين أن يعطوه الدروس ولا للطامعين أن يدلُّوه على الطريق.