كثيرة هى إدعاءات العديد من اليهود حول وجود ما يُسمى بـ”هيكل سليمان” أسفل المسجد الأقصى المبارك بفسلطين، ولهذا الاعتقاد الخرافى منزلة خاصة في قلوب وعقول الكثير منهم، حيث يزعمون أنه أهم مكان للعبادة لديهم، وأن سليمان بناه لهم ولديانتهم، وأن عودة ملكهم لن تكون إلا بالرجوع إلى القدس وإعادة بناء الهيكل.
ما هو “هيكل سليمان” حسب الرواية اليهودية؟
كلمة “هيكل” فى اللغة العبرية تعنى “بيت الإله”، ووفق الرواية اليهودية، فإن النبى داود عليه السلام هو الذي أسس لبناء الهيكل، ولكنه مات، فاستكمل ابنه سليمان عليه السلام بناء الهيكل فوق جبل “موريا” المعروف باسم هضبة الحرم، وهو المكان الذي يوجد فوقه المسجد الأقصى وقبة الصخرة.
وبعد وفاة النبى سليمان عليه السلام، اختلف أولاده فانقسمت مملكته إلى مملكتين وعلى كل مملكة أحد أبناء سليمان، فالأولى في الشمال وتسمى “مملكة إسرائيل” أو”مملكة السامرة” وعاصمتها “نابلس”، والثانية في الجنوب وهي “مملكة يهوذا” وعاصمتها “أورشليم” (القدس)، وقد دمرت وانتهت مملكة الشمال “إسرائيل”، وذلك في عام 721 ق.م، وبعد ذلك بحوالي 150 سنة دمرت المملكة الثانية “مملكة يهوذا”.
وعن مواصفات “الهيكل المزعوم”، فاستغرقت مدة البناء سبع سنوات، وشارك في البناء أكثر من 180 ألف رجل كما جاء فى روايتهم!، ودُمِرَ الهيكل للمرة الأولى على يد القائد البابلي “بختنصر” عام 586ق.م، وبعد ذلك بعشرات السنين سُمح لليهود المأسورين في بابل بالرجوع إلى القدس، فرجعوا إليها وأعادوا بناء الهيكل نحو سنة 521 ق.م، ثم دمر الهيكل مرة أخرى على يد “تيطس” ابن الامبراطور الروماني”سباستيان”، وكان هذا هو التدمير الثاني للهيكل، والذى ذكروا تاريخه في يوم التاسع من أغسطس، ولذلك يصوم اليهود هذا اليوم من كل عام تخليدًا لهذه الحادثة .
ولكى لا ينسى اليهود الهيكل، ويبقى موجودًا بذاكرتهم، فقد قام حاخاماتهم بابتداع طقوسًا يقوم بها كل يهودي حتى يتذكر الهيكل، ويتم القيام بها خاصًة عند الميلاد وعند الموت وعند الزواج وعند طلاء البيت.
وفي عام 135م، في عهد الإمبراطور”هارديان” تم تدمير المدينة، وطرد اليهود منها، وأقيمت مكانها مدينة جديدة سميت بـ”إيليا كابي تولينا”، وبقيت تحمل هذا الاسم حتى دخلها المسلمون في عهد الخليفة الثاني “عمر بن الخطاب” رضي الله عنه، وصارت تسمى “القدس” أو”بيت المقدس”.
أما في عام 313 م، فقد اعتنق الإمبراطور”قسطنطين” المسيحية، وبدأ ببناء الكنائس، فكانت “كنيسة القيامة” أول الكنائس التي أقيمت في تلك الفترة، وجعل مكان الهيكل مكانًا لرمي القمامات نكاية في اليهود حسب اعتقادهم.
وتشتت اليهود في جميع بقاع الأرض، وذلك بسبب غدرهم وقتلهم الأنبياء وعصيانهم لله – كما يقول اليهود أنفسهم – فذهبوا إلى الجزيرة العربية والعراق ومصر وأوروبا، ونسي اليهود القدس ونسوا الهيكل، إلى أن جاء القرن التاسع عشر الميلادي، فأخذوا يقلبون صفحات التاريخ المطوية للبحث عن أية مزاعم يهودية تبرر لهم الرجوع إلى القدس!
وقاموا بعقد المؤتمرات، وكان أول مؤتمر صهيوني قد عقد في مدينة”بازل” بسويسرا عام 1897م ، بقيادة “تيودور هرتزل”، بهدف إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين حتى يتمكنوا من إعادة بناء الهيكل المزعوم!
ويسعى اليهود إلى استعادة مملكتهم وإعادة بناء الهيكل، وقد جاء في “دائرة المعارف البريطانية” طبعة 1926م، ما يثبت تلك الرغبة لديهم: حيث كُتِب “إن اليهود يتطلعون إلى اجتماع الشعب اليهودي في فلسطين واستعادة الدولة اليهودية وبناء الهيكل وإقامة عرش داود في القدس ثانية وعليه أمير من نسل داود”، وكل ذلك بالإضافة إلى إدعائهم أن “حائط المبكي” والذى يقع في الجهة الغربية من المسجد الأقصى، هو من بقايا هيكل سليمان.
أدلة كثيرة تُكَذِّب خرافة “الهيكل المزعوم”..
توجد إثباتات كثيرة تؤكد بطلان نسبة الهيكل لسيدنا سليمان عليه السلام، وأن بناءه للهيكل هو مجرد أكذوبة من اليهود، وبعض هذه الإثباتات والأدلة تُستنتج مما كتبه اليهود أنفسهم عن الهيكل!
ومن هذه الأدلة، أولًا: أنه لا يوجد مصدر موثوق يثبت بناء سليمان عليه السلام لهذا الهيكل، فالقرآن الكريم قص علينا قصة داود وسليمان عليهما السلام في عدة مواضع، فذكر قصة سليمان مع بلقيس والهدهد والنملة ومع الجن، وبعض هذه الأحداث تبدو أقل أهمية من الهيكل، فلماذا لم يتكلم القرآن الكريم عن الهيكل إذا كان بهذه الأهمية القدسية التي يدعيها اليهود؟!
فلا وجود لهذا الهيكل إلا في كتب اليهود، وهي كتب لا يوثق بما فيها، حتى الكتاب المقدس نفسه اعترف كثير من علماء اليهود والنصارى والمؤرخين أنه امتدت إليه أيدي التحريف والتلاعب، مما يعني أنه لم يعد مصدًرا تاريخيًا موثوقًا به، ولا يوجد له إسناد متصل إلى موسى عليه السلام، ولا إلى الأنبياء الذين جاءوا بعده وكُتِبَ تاريخُهم في ذلك الكتاب.
أما عن الأسفار التي تحدثت عن الهيكل، فمختلفة ومتناقضة، مما يدل على أنها ليست كتبًا مقدسة ولا وحيًا من الله، وإنما هي كتابات بشرية نسبت زورًا وبهتانًا إلى الله، ومن هذه الاختلافات، أن سفر الملوك الأول يذكر أن عدد الوكلاء لسليمان (وهم المشرفون على العُمَّال ) كان 3300 رجلًا، وفي سفر الأيام الثاني يذكر أن عددهم 3600، وهم يَدَّعُون أن هذه الأسفار هي وحي من الله على الأنبياء الذين جاؤوا بعد سليمان، فيستحيل أن يكون بينها أى اختلاف.
ثانيًا:الدارس لنصوص الكتاب المقدس المتعلقة ببناء الهيكل يأخذه العجب، بل يجزم بأن قصة البناء خرافة لا حقيقة لها، وذلك لأنه سيقف أمام بناء عظيم جدًا، قد يكون من أعظم الأبنية التي عرفتها البشرية، فالمواد المستخدمة في البناء وعدد العمال كان خياليًا مبالغًا فيه بما يتجاوز حدود المنطق، فالذهب كان 1,6 طن ، والفضة 16 طن، والحديد والنحاس والخشب والحجارة تزيد عليهم، وعدد العمال المشاركين في البناء 180 ألف عامل، وعليهم رؤساء عددهم 3600 أو3400 حسب اختلاف الأسفار في عددهم .
وبعد كل هذا، فعلينا أن نتساءل بعد كل هذه المواد والعمال، كم كان طول وعرض وارتفاع الهيكل؟، يذكر لديهم فى سفر الملوك الأول الإصحاح السادس، وسفر أخبار الأيام الثاني الإصحاح الثالث، أنه كانت مساحة أرضه 300 م 2 بارتفاع أربع أو خمس طوابق!
فهل يعقل أن تستخدم كل هذه المواد ويشارك في البناء 180 ألف عامل لمدة سبع سنوات من أجل هذا البناء الصغير!، ولهذا فإن هذه الأكاذيب والمبالغات ليس الهدف منها إلا إضفاء نوع من العظمة للهيكل المزعوم.
ثالثًا:إن اليهود أنفسهم لا يتفقون على مكان محدد للهيكل، فيهود مملكة السامرة يقولون أن هيكلهم في مدينة “نابلس”، وليس في “القدس”، وآخرون يقولون أنه في قرية “بيتين” شمال القدس، ومجموعة ثالثة تقول أن هيكلها أقيم على تل القاضي “دان”، وهكذا كله مما يؤكد أن قصة الهيكل هي أسطورة، لأن كل هذه الهياكل لا وجود لها ولم يعثر لها على أي أثر.
رابعًا:فكرة تقديس “الهيكل” هى عقيدة وثنية قديمة كانت موجودة في الدول الوثنية القديمة في العراق وسوريا ومصر، فكانوا يعتقدون أن الآلهة تسكن في السماء وأنها إذا رغبت النزول إلى الأرض فلا تكون إقامتها إلا في بيوت كبيرة كـ”الهيكل”، وقد ذهب الباحث “أحمد سوسة” الذي اعتنق الإسلام بعد اليهودية، إلى التشكيك في فكرة الهيكل، وذهب إلى أنها فكرة دخيلة على اليهودية وأنها فكرة كنعانية وثنية.
خامسًا:ذكر عالم الآثار اليهودي”إسرائيل فلنكشتاين” أن علماء الآثار لم يعثروا على أي شواهد أثرية تدل على أن الهيكل كان موجودًا، وأن كَتَبَة التوراة في القرن الثالث أضافوا قصصًا لم تحدث.
سادسًا: لم يذكر أحد من المؤرخين أن المسلمين لما دخلوا القدس في عهد “عمر بن الخطاب” وجدوا بها معبدا من معابد اليهود وهدموه، وأقاموا مكانه مسجدا.
أما عن زعم اليهود أن حائط البراق الذي يسمونه “حائط المبكى” كونه جزء من هيكلهم، فهذا الزعم قد أبطلته الدراسات العلمية الحديثة، فقد أوفدت لجنة دولية للتحقيق في أحداث البراق التي وقعت سنة 1930م، وكان عمل اللجنة علميًا وتاريخيًا، وقد أثبتت اللجنة في تقريرها أن ملكية حائط البراق تعود للعرب المسلمين.
كل هذه الأدلة وغيرها تدل على أن قضية الهيكل هي مجرد أكاذيب كتبها كتبة “الكتاب المقدس”، ونسبوها إلى الله، لربط اليهود بتلك المدينة وتشجيعهم على الرجوع إليها باعتبار أن ملكهم لن يتم إلا باستعادة ذلك الهيكل المزعوم.