ركزت صحف الأحد في فرنسا على أمرين أساسيين هما الوحدة الوطنية وضرورة الرد على الإرهاب المجنون الذي ضرب باريس ليل الجمعة – السبت.
والحديث عن الوحدة الوطنية يعني التمسك بقيم الجمهورية خصوصاً العيش المشترك بين مكونات المجتمع الفرنسي لدرء الفتنة وهي الهدف الأساسي للمخطط الإرهابي. أما الدعوة إلى الرد، فإشارة ضمنية إلى ثغرات في خطط السلطات الفرنسية لتحصين البلاد من اعتداءات، مع الأخذ في الاعتبار استحالة درء المخاطر بنسبة مئة في المئة من دون المساس بحريات المواطنين وخصوصياتهم.
اتجهت التحقيقات في اعتداءات العاصمة الفرنسية إلى تعزيز مخاوف برزت أخيراً، من تسلل إرهابيين في موجة تدفق المهاجرين إلى أوروبا، لكن هذا لم يمنع التركيز على تجمعات المسلمين في الضواحي الفرنسية التي أطلق عليها رئيس الحكومة مانويل فالس تسمية «غيتوات الفقر والبطالة» وهي صيغة كفيلة وحدها بتشكيل تهديد.
غير أن الإرهاب الاحترافي والمنظم، يبقى بعيداً كل البعد عن احتجاجات لم تخلُ من عنف، مارسها أبناء الضواحي الفقيرة تعبيراً عن يأس. لكن الأمر البالغ الخطورة هو اختراق «داعش» الضواحي حيث بينت التحقيقات تورط عائدين من سورية في الاعتداءات إلى جانب آخرين وفدوا حديثاً عبر موجة الهجرة.
وما يتعين التأكيد عليه هو ضرورة صون ظاهرة العيش المشترك، كما تجلت في أبرز صورها في أعقاب الاعتداءات الإرهابية في ضاحية بيروت الجنوبية والتي سبقت هجمات باريس بيومين، ذلك أن جريمة برج البراجنة استهدفت الفتنة بين اللبنانيين والفلسطينيين المقيمين في تلك المنطقة منذ عقود، وأيضاً النازحين السوريين الذين يشكلون مكوناً مستجداً في الساحة.
وإذا كانت الفتنة هي القاسم المشترك بين اعتداءات برج البراجنة وباريس، فإن ثمة فارقاً أساسياً هو أن لبنان لطالما كان ساحة مستهدفة بسبب موقعه الجغرافي، في حين أن فرنسا والدول الأوروبية الأخرى بدأت تواجه مخاطر كان يتعين أن تتنبه إليها قبل بضع سنوات، وهي متمثلة بأن أعداداً كبيرة من الملتحقين بـ «داعش» (نحو ستين في المئة) أتت من دول الغرب، ما يضاعف مخاطر «العائدين» من هؤلاء.
وعلى رغم أن الاعتداءات وقعت في باريس، فإن أوروبا كلها وليست فرنسا وحدها، وجدت نفسها في حرب ضد «إرهاب شمولي وأعمى ورهيب»، يضرب في عقر دارها، ما يستدعي بالتالي إعادة تعريف أدوات هذا الإرهاب ومسبباته، وكأن الحرب معه بدأت لتوها، بحسب تعبير صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.
وهذا يقتضي حتماً، معالجة سريعة لأزمة اللاجئين إلى أوروبا، تضع في أولوياتها وقف تدفقهم، سواء كان ذلك بإغلاق الأبواب في وجههم أو بالبحث عن حل جذري في سورية بغض النظر عن طبيعته، ذلك أن الرأي العام الأوروبي عموماً، لم يعد في وارد الانخراط في مسببات الأزمة وتفاصيلها، بقدر ما يجد نفسه معنياً في الدرجة الأولى، بالنأي ما أمكن عن هذا الصراع للتفرغ إلى مشكلة أكثر خطورة في عقر داره.
قد يكون الأوروبيون وصلوا إلى استنتاج أن ليست هناك مجموعات مقاتلة «جيدة» وأخرى «سيئة»، ومن هنا مطالبة رئيس الوزراء الفرنسي السابق آلان جوبيه السلطات الفرنسية بعد اعتداءات باريس، بـ»الذهاب أبعد» في «توضيح» أهداف التحالف الدولي في سورية. جوبيه الذي اعتبر في تصريح إلى إذاعة «فرانس 2» أن «هذا التحالف لم يعد فعالاً»، قال: «أنا كنت مع سياسة الحكومة، أي لا «داعش» ولا بشار، اليوم هناك تراتبيات وأولويات، يجب سحق داعش».