حصار صنعاء من المحطات المهمة في كفاح الشعب اليمني.. وتختزن الذاكرة الوطنية خبرة هائلة وذخيرة إنسانية حية.. والكتابة عن هذا الحدث التاريخي شائق، ولا تزال آثاره ودروسه حاضرة ينبغي استلهامها.
في هذا الموضوع لا بد من الرجوع إلى لحظة الحصار والوضع السياسي حينها في صنعاء وعموم البلاد اليمنية – وإن بصورة سريعة -، كما لا بد من الإشارة المقتضبة أيضا لما كتب عن الحصار على قلته، وكذا ذكريات المشاركين والدارسين لهذه المعركة الرائعة والعظيمة.
ابتدأ الحصار في 29 نوفمبر 1967 بقطع طريق الحديدة – صنعاء في الحيمة الداخلية، وفيما بعد طريق صنعاء – تعز في الفترة نفسها.
كان الحصار ذروة أحداث وتحولات شملت اليمن كلها؛ فقد شهد الثلاثون من نوفمبر رحيل آخر جندي بريطاني من عدن، وخروج آخر جندي مصري من الجمهورية العربية اليمنية.. أُعلن الاستقلال في جنوب الوطن، وبدأ الحصار في صنعاء في آن.
لم يكن الجيش اليمني قد استكمل بناءه؛ فالوحدات حديثة تضم بضعة آلاف قادها ملازمون أوائل بعد أن رُقي بعضهم إلى رتبة نقيب.
إبان الحصار هرب كبار ضباط الجيش خوفا من سقوط صنعاء.. غالبية الضباط الصغار قادة الوحدات الحديثة موزعو الولاء بين حركة القوميين العرب وحزب البعث العربي الاشتراكي بالأساس، أما الأفراد فغالبيتهم مستقلون.
بعد انقلاب نوفمبر أصبحت السلطة السياسية بين كبار المشايخ بزعامة الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر، والبقية من حزب الأحرار بزعامة القاضي عبد الرحمن الإرياني ومشاركة محدودة من حزب البعث في الشهور الأولى، أما وحدات الجيش فالغالبية تحت سيطرة حركة القوميين العرب الموالين للجبهة القومية في الجنوب والتي قادت الاستقلال.
رغم الخلافات الحادة بين مختلف المكونات السياسية والعسكرية والاجتماعية إلا أن الحصار قد وحد الجميع.
يقدم الجاوي في كتابه “حصار صنعاء” وصفا دقيقا لوضع “صنعاء” في ذلك الوقت من عام 1967.. كان عدد السكان في العاصمة أكثر من مئة ألف نفس تتمتع بالعيش الطيب مع الكهرباء ووسائل الترف، مجموعة بسيطة لا تشكل أكثر من مئة أسرة ممن يستعملون الكهرباء والماء النقي وغاز الطهي، ويمتلكون مخزونا جيدا من الغذاء لأوقات الشدة.
لقد انقسمت المدينة أمام أعيننا عمليا إلى فريقين أساسيين بالنسبة للمحروقات على الأقل.. ثلث يستعمل الجازولين ( الكيروسين) للطبخ والإضاءة والباقي يعتمد أساسا على الحطب.
لقد بدأ الحصار في موسم البرد وبلفتة بسيطة وجدنا أن الجاز والحطب من خارج صنعاء المحاصرة.. كان أمل المقاومة والجيش والأمن في التجار عظيما ولكن حكمة السيد المسيح عليه السلام أصبحت ذات مدلول واقعي: “لن يرتفع التاجر إلى ملكوت السماء حتى ولو دخل الجمل في سم الخياط”.