نون والقلم

هل حان دور مصر؟

التصريحات التي يطلقها المسؤولون المصريون هذه الأيام تثبت أن هناك شيئاً ما يحاك ضدّ هذه الدولة العربية العظيمة. هناك إرهاب يرتع في شبه جزيرة سيناء، وإرهابيون يتحركون في رابعة النهار، وينفذون أعمالهم الإجرامية في صحراء مكشوفة. وبرغم أن أعتى أجهزة الاستخبارات العالمية، تركز جهودها على منطقة سيناء، إلاّ أن هذه الأجهزة لا تتعاون مع السلطات المصرية في حربها على الإرهاب.

وزير الخارجية المصرية، سامح شكري قال إن أجهزة غربية رفضت التعاون مع مصر، عندما طلبت منها تقديم معلومات تساعد في كشف حقيقة ما حدث للطائرة الروسية المنكوبة. وزير الخارجية المصرية المعروف بهدوئه ورصانته، وبدبلوماسيته العالية، لم يستطع الصمت أكثر عما أصبح المراقبون يعتبرونه مؤامرة تستهدف مصر وشعبها.
فمنذ أن سقطت الطائرة الروسية، والهجمة الإعلامية على القاهرة لا تكاد تتوقف.
والتلاعب بالمعلومات يستبيح وسائل الإعلام الغربية والعربية التي تظهر معاداتها للنظام المصري. البريطانيون، يقدمون المعطيات حول سقوط الطائرة الروسية بطريقة الري قطرة- قطرة. وهو ما يعني أنهم يمتلكون كافة المعلومات عن الحادث، وربما كافة المعطيات عن المخطط قبل تنفيذه. و الغريب أنهم يوصدون أبواب المعلومة عن الجهات الرسمية المصرية، ويتلاعبون بها في وسائل الإعلام. ومن حق السلطات المصرية في هذه الحالة أن تعلن عن شكوكها في وجود مؤامرة تستهدف أمنها القومي، وتريد أن تضرب عصب اقتصادها وهو السياحة في مقتل.
منذ أن تم الإعلان عن حادث سقوط الطائرة الروسية فوق صحراء سيناء، تم تسجيل هوس إعلامي، وتركز هذا الهوس على إخلاء منطقة شرم الشيخ من السياح، وتم الحديث عن عمليات إجلاء، وكأن المنطقة تعيش حرباً حقيقية. مثل هذا السلوك لا يمكن أن يؤخذ بالنوايا الطيبة. هناك شيء ما يحاك ضدّ مصر. وهذا المخطط يعيد إلى الأذهان سيناريوهات فصل سيناء عن البلد الأم.
أن يقع ضرب مصر من خلال التنظيمات المتمركزة في سيناء، ويقع التستر من قبل أعتى أجهزة الاستخبارات في العالم عن تحركاتها، وعن طرق إمداداتها، وعن كيفية تواصلها لتنفيذ هذه الأعمال، فذلك يعني مشاركة عملية في حرب إرهابية على مصر. بل أكثر من ذلك، تصبح الدولة التي تمتنع عن التعاون مع الحكومة المصرية، في مثل هذه المستجدات الخطيرة، دولة متورطة في أي عمل إرهابي يمكن أن يستهدف مصر مستقبلاً. لكن لفائدة من تستهدف مصر، وجيشها و أمنها؟ ولماذا في هذا التوقيت، تبرز نوايا الدول الغربية المناوئة لمصر؟

ليس غريباً أن يكون التقارب المصري الروسي على خلفية مشاكل المنطقة، هو المستهدف الأول. ومثل هذه المواقف الغربية إنما تنمّ عن عقلية استعمارية قديمة، مفادها أن مصر لا يمكن أن تكون مقبولة دولياً إن توجهت شرقاً، شطر روسيا والصين. الخبير السياسي أسامة الدليل قال في تعقيب على الحملات الإعلامية والمواقف السياسية الغربية تجاه مصر في الآونة الأخيرة: «المقصود من تصريحات كاميرون و أوباما على هذا النحو المتسرع، النيل من مصر وروسيا معاً، والنيل من علاقتهما القوية، ومن تدخلهما في مواجهة السيناريوهات الأمريكية والغربية في منطقة الشرق الأوسط». وعليه فإنّ حرب المعلومات الاستخباراتية تصير جزءاً من معركة دبلوماسية، يراد لها أن تظهر للعلن. بمعنى هناك رغبة ملحة من هذه الأطراف الدولية في إعلان موقفها المناهض للنظام في مصر. بعد أن حسمت مصر موقفها على ما يبدو بتطوير شراكتها الاستراتيجية مع روسيا. والسؤال الذي يمكن أن يطرح هنا، يتعلق بمدى تطور المسألة الأمنية في سيناء، وربما امتدادها إلى بعض المناطق المصرية الأخرى، خاصة إن تلقت الضوء من الأجهزة و الدول التي تدعمها لتصعيد الموقف؟

لا شيء مستبعد في حرب مفتوحة مع هذه التنظيمات الإرهابية. وهي قادرة على اختراق أقوى التحصينات الأمنية، ما دامت اللعبة تديرها أجهزة استخبارات عالمية. الهدف غير المعلن هو تدمير مصر، وإلحاقها ببقية الدول العربية التي طالها الخراب. و لا نستبعد أن تسلك هذه الأطراف أي طريقة من أجل تنفيذ مشروعها الأكبر. فالقرار الواضح هو أنه يجب ألا تكون هناك دولة عربية واحدة، قادرة على أن تلعب دوراً محورياً في منطقتها. ولذلك رأينا في الأشهر الماضية، محاولات لتقزيم المشاريع الاقتصادية الضخمة التي انطلقت مصر في تنفيذها ومنها مشروع قناة السويس، والمؤتمر الاقتصادي. وطبعاً فإن ضرب السياحة في مصر هو خطوة أخرى في مسار استهداف الاقتصاد المصري.

تطوّر الأحداث، قد يؤشر إلى مرحلة جديدة، ستكون صعبة على المصريين. وإذا ما تأكد فتور علاقة القاهرة ببعض العواصم العربية ذات النفوذ الدولي، فإنّ السنوات العجاف قادمة لا محالة. و لكن العرب سيخسرون كثيراً إن تركوا مصر تواجه وحدها طاعون الإرهاب. فلو سقطت مصر لا قدّر الله لن تكون أي عاصمة في مأمن من إرهاب تنظيم «داعش» ومثيلاته. الوضع يحتاج اليوم إلى قراءة دقيقة، فمن أسقط الطائرة الروسية في صحراء سيناء، قادر على أن يفعل المزيد. ولن يفرّق مستقبلاً بين المدنيين ورجال الجيش أو الشرطة.

صحيح أن كل من ماتوا في الطائرة الروسية هم من الروس، وقد تكون الرسالة المشفرة أو المفتوحة عنوانها استهداف المصالح الروسية أينما كانت. لكن من خطط لهذه العملية أراد أن يقول صراحة إنه لا أحد في مأمن. بما في ذلك المصريون أنفسهم الذين اكتووا بنار الإرهاب طويلاً، حتى قبل ثورة 25 يناير.

بعد «الاطمئنان» على خراب العراق و سوريا، مثلما أشار رئيس جهاز الاستخبارات الفرنسي منذ أيام إلى «أن الشرق الأوسط الذي نعرفه قد انتهى إلى غير رجعة»، فإنّ دور مصر يبدو أنه قد حان. و لذلك فإن التحرش بالقاهرة لن يتوقف واستهداف المصالح الاقتصادية أو الأمنية و العسكرية المصرية، لن يتوقف. لأن الهدف الأبعد و الأهم هو خراب مصر. لكنّ القاهرة عصّية على التركيع، فقد تحالفوا سابقاً لإسقاطها وتركيعها، لكنهم اختبروا مقاومتها، ويدركون أنها عصيّة عليهم.

 

أخبار ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى