نون والقلم

شرق أوسط جديد

عجت فيينا الجمعة الماضية بوفود سبع عشرة دولة، منها الفاعلة ومنها الداعمة، اجمعت جلها على محاربة «داعش»، طريقاً لخلاص سوريا، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل ثمة هناك سوريا بعد؟ وهذا ما لفت إليه رئيس المخابرات الفرنسية، من أن الشرق الأوسط كما نعرفه لم يعد موجوداً، وهو استتباع لمواقف كثيرة سابقة، ومنها تصريح رئيس المخابرات الأمريكية في الاتجاه ذاته.

أخبار ذات صلة

ما حدث في فيينا، إعلان واضح لجهة الالتزام بوحدة سوريا، وهو أمر مفروغ منه في اللهجات واللغات الدبلوماسية، لكن تجارب كثيرة سابقة، لم تحترم مثل هذه الالتزامات أو التأكيدات، بل سرعان ما تم التملص منها، فقسمت دول وجزئت أخرى، وما يُجرى اليوم في الشرق الأوسط، يشي بمثل هذه السيناريوهات التي باتت بفعل ما يحدث على الأرض أمراً واقعاً.
في سماء سوريا، ثمة تقاسم نفوذ جوي، وتوزيع أدوار وخرائط دقيقة، بين موسكو وواشنطن وحتى «تل أبيب». باختصار، سايكس – بيكو جوي في المنطقة يرسم حدود المعادلات على الأرض، يقابله تطور لافت بإعلان واشنطن نيتها إرسال خمسين خبيراً ومستشاراً عسكرياً إلى شمال سوريا، لتقديم الدعم والمشورة إلى ما تسميه المعارضة المعتدلة.
وفي هذا السياق مَنْ سيضمن ألّا يتضاعف هذا العدد إلى مئات أو آلاف المرات، كما حصل أيضاً في مناسبات عدة تدخلت فيها واشنطن في مناطق معينة، ثم ما لبثت أن تمددت بأحجام وأوزان القوة الأمريكية لتبلغ أرقاماً فلكية إذا جاز التعبير، وهو أمر مرتبط بديهياً ليس بالتدخل العسكري الروسي في سوريا فحسب، وإنمّا إلى أكثر من سبب تحاول الولايات المتحدة الدفع فيه حالياً في المنطقة.
يدعي بعض العرب، أننا هزمنا مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي أطلقه شمعون بيريز رئيس وزراء «إسرائيل» الأسبق في عقد التسعينات من القرن الماضي، والذي هدف أساساً إلى دمج «إسرائيل» في النظام الإقليمي العربي، كما هزمنا «إسرائيل»، ومن معها في العام 2006 مشروع الشرق الأوسط الكبير، الذي أطلقه الأمريكيون مطلع الألفية الثالثة بذريعة الديمقراطية وكسر النظم الديكتاتورية.
هل هزمنا المشروعين حقاً؟ وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا لم يستثمر في السياسة والأمن مثلاً؟ أين نحن العرب اليوم بما جرى ويُجرى بيننا وفينا.
دولتان عربيتان مركزيتان على الأقل مُزقتا عملياً، العراق وسوريا والباقي أعظم، وبالتالي عن أي شرق أوسط جديد يحكى أو يرسم، وأي احترام لحدود تلقى.
فعندما يصرح رؤساء أجهزة المخابرات، يعني أن كلمة السر قد أطلقت بعد تمحيص وتدقيق، أقله أنه أكثر من مشروع، وإنما الخلاف أو التباين حول تفاصيله ليس إلّا.
ما يساعد على تقبل الفكرة وتعزيزها في العقل الجماعي لمجتمعات المنطقة وشعوبها، المتغيرات الحاصلة واقعاً، والتي لا ينقصها سوى تشذيبها قانونياً بعدما باتت أمراً واقعياً، وما يعزز هذه الشكوك أيضاً، دعوة لبنان إلى حضور مؤتمر فيينا، فلماذا؟ وما هي فاعليته في تقرير الأزمة السورية؟ أم أن في الأمر ربط نزاع مع لبنان عند تنفيذ المشروع، باعتباره الدولة التي سميت يوماً كياناً ميتاً بحكم الجغرافيا والديموغرافيا التي سيعاد إنتاجه في مراحل لاحقة.
في المعلن، ثمة متابعات قادمة لمؤتمر فيينا بعد أسبوعين، لكن في المضمر، ثمة اجتماعات ولقاءات كثيرة موازية، حيث فيها ترسم الخرائط وحدود النفوذ، هل ستبقى حدود سايكس – بيكو محترمة؟ أم حدوداً ستعرف باسم بيكر – لافروف.
يقال، إن اجتماع فيينا فتح فجوة في طريق حل الأزمة السورية، ربما يكون ذلك صحيحاً، لكن الصحيح أيضاً ضرورة التساؤل ومعرفة أي حل ينتظر السوريين وغيرهم في المنطقة، إنها فعلاً مأساة أن نتمسك نحن العرب اليوم، باتفاقية سايكس- بيكو، رغم كوارثها، التي كتبنا عنها مجلدات ومعلقات، واليوم نحتمي فيها خوفاً من الأعظم القادم علينا.

 

أخبار ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى