نون والقلم

السلام بالوكالة

الحرب التي تبدأ بالوكالة تنتهي بالوكالة، هكذا يقول المنطق. يقولون إن الحرب في سوريا هي حرب بالوكالة، ورغم ذلك، ليس بالضرورة أن ينطبق عليها المنطق السابق، حيث له في هذه الحالة بالذات، استثناءات وحيثيات في مساره، ومنها وجود أطراف غير معروفة في المعادلة، أو على الأقل، لم يتبناهم أحد حتى الآن، وإن تواردت الأخبار عن تلقيهم أسلحة من هنا ودعماً من هناك، وهؤلاء الداعمون بالسلاح والمال، لن تكون لديهم الشجاعة للتحدث باسم تلك الأطراف، ومن غير المتوقع أن تتجرأ دولة وتتحدث باسم «داعش» أو جبهة النصرة مثلاً. وهاتان المجموعتان، وإحداهما تتصرف كدولة، هما الجزء الاستثنائي في المعادلة الذي سيفسد منطقها، وسيفشل أي نهاية للحرب، في حال لم يكونا محسوبين على أي طرف بشكل كامل وحقيقي.

الحديث يتضمن حساسية قصوى عند التطرق للأزمة السورية، حيث اللاعبون الواضحون قلة، واللاعبون على الأرض كثر، ومنهم أكثر من ستين تنظيماً ولواء وجبهة وجيشاً، ولا أحد يدري على وجه الدقة من سينوب عنهم في الاجتماعات التي ستبحث في نهاية الأزمة السورية، لأننا لو قلنا إن روسيا وإيران ستتحدثان باسم النظام السوري، لا يمكننا القول إن الولايات المتحدة ومن معها سيتحدثون باسم «داعش» وجبهة النصرة والجيش الحر والألوية الأخرى.

ومن جهة ثانية، فإن حضور هذه الأطراف كممثلين عن المعارضة المعتدلة، يبقي الاجتماع ناقصاً ولا يرجى منه أي تقدم، ولن يفضي إلى حل، إذ الاجتماعات في حاجة إلى ممثلين عن المقاتلين المتطرفين.
ومن ناحية ثانية، إذا كانت هذه الدول تمثل المعارضة، أي المسلحين الذين يقاتلون النظام، وفي الوقت ذاته، تصنف روسيا جميع هؤلاء بالإرهابيين، فإن المنطق يقول إن روسيا تجلس للتفاوض مع (الإرهابيين)، وهو كلام غير دبلوماسي وغير دقيق.
أمّا إذ كان الاجتماع يدور حول مصير الرئيس السوري بشار الأسد، فالأمر أيضاً يحتمل النقاش، إذ لا يوجد ممثل مباشر عن الأسد، ولا يوجد ممثل مباشر عن الائتلاف السوري الذي من المفترض أنه سيحل محل الأسد، وفي الوقت ذاته، فإن موقف السعودية معروف تجاه الأسد، وأعلنه وزير الخارجية مراراً، والموقف الروسي معروف أيضاً.
ولنفترض أن الروس لديهم ضمانات بشأن تنحي الأسد بعد ستة أشهر أو سنة على سبيل المثال، فهل سيتم تشكيل جبهة من الولايات المتحدة وروسيا والسعودية وتركيا، لمحاربة المتطرفين وتمكين الجيش السوري الحر من التحكم بالبلاد! وقد طرح الجيش السوري الحر نفسه منذ البداية كجهة ستحترم الجميع وسياسته، أقرب إلى العلمانية لاستيعاب جميع الأطياف، فهل هذا الأمر سيرضي تركيا التي سهلت دخول المقاتلين المتطرفين إلى الأراضي السورية؟ وماذا بشأن حزب الله اللبناني الذي يقاتل إلى جانب النظام السوري، هل سيتم استثناؤه من الحرب وسيعود إلى لبنان، أم أن الضربة ستطاله وتطال لبنان بأكمله، وبهذا يكون الحلف الجديد قد فتح جبهة جديدة للقتال، وبذلك تكون قد دخلت المنطقة كلها في أتون حرب لا تنتهي.
تركيا التي حجزت لنفسها مقعداً في المفاوضات يتصف موقفها بالغامض، فقد مهدت الطريق لنشوء قوة متطرفة قوية وخطرة في سوريا، ظناً منها أن الإخوان المسلمين قد يلتقون مع «داعش» في بعض الخطوط، إلّا أنها وجدت نفسها تشير بأصابع الاتهام إلى «داعش» في التفجيرات التي ضربت أنقرة قبل فترة وجيزة، وتخوض حرباً، لا يغطيها الإعلام، في منطقة ديار بكر، ضد حزب العمال الكردستاني ثم إنها أعلنت محاربة «داعش» في الوقت نفسه، وهما عدواها؛ كما أعلنت لاحقاً، واتهمتهما في انفجارات أنقرة، وجلبت لنفسها تهكم المعارضة التركية، إذ كيف يمكن أن يلتقي «داعش» وحزب العمال الكردستاني، في تنفيذ عملية مشتركة ضد تركيا وضد الأكراد معاً؟ ونسأل، من تمثل تركيا في مؤتمر جنيف حول سوريا؟ هل تمثل المسلحين الإسلاميين المتطرفين (داعش والنصرة وغيرهم)؟ أم تمثل الإخوان المسلمين؟ أم أنها تشارك بصفتها جارة ملاصقة لسوريا؟
أمّا روسيا، فلديها قناعة بأنها تخوض حرباً استباقية وتريد المحافظة على استثماراتها ومصالحها في سوريا والشرق الأوسط، وأحدث تصريحات الكرملين أنها لا تخوض حرباً من أجل الأسد، لأن الشعب السوري هو من يقرر مصير الأسد.
القضية متشابكة حد الغموض وسهلة حد البساطة، شرط أن يكشف اللاعبون الرئيسيون، أي المجتمعون إلى جانب إيران، مواقفهم ونواياهم الصريحة، وهذا لن يحدث أبداً، بعد أن قدم «داعش» نفسه بهذه الصورة الإجرامية والفهم المغلوط للإسلام، وبعد أن خاض النظام السوري حرباً دموية وقتل مئات الآلاف من أبناء شعبه، وهناك شرط آخر، أن تتوقف الحرب بالإنابة أو يتم إعلانها بوضوح، حتى يكون هناك بعض التبرير للمجتمعين في جنيف.
لقد تحدثنا عن التشابك ونسينا عمداً الوضع في العراق، حيث يخوض الجيش العراقي والحشد الشعبي حرباً ضد «داعش» بمساندة الولايات المتحدة الأمريكية، هذه الحرب المطاطة غير المفهومة حتى الآن من حيث المسارات والنتائج، فمرة تهب فجأة، ويتم التجييش لها، وفجأة تصمت صمت القبور، أو تتذرع بصعوبة الطقس، أليس العراق جديراً بالجلوس إلى جانب المجتمعين في جنيف، على الأقل، لأن هناك شريحة من العراقيين تحارب في سوريا إلى جانب النظام.
ما هكذا تورد الإبل، هكذا قالت العرب، والعرب قديماً، حين كانوا يريدون حل مشكلة ما، كانوا يحددون أطراف الصراع بشكل جلي، ويُجرى التقاضي والتباحث حتى يصلوا إلى حل. فلماذا لا يتم تمثيل العرب في مؤتمر جنيف، إضافة إلى السعودية، بينما القضية عربية بحتة؟ وأين القوة العربية المشتركة التي ستحارب (الإرهاب)؟
نحن لا ندور في حلقة مفرغة، لكن أُريد لنا أن نبحث عن قشة في غابة متشابكة مليئة بالصيادين الذين يعملون لحسابهم الشخصي، وآخرون يعملون لجهات أخرى، والمطلوب تنظيف الغابة من الصيادين وتجار (العاج)، وبعدها لكل حادث حديث.

 

أخبار ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى