يتوجه اليوم ملايين الناخبين الاتراك الى صناديق الاقتراع للمشاركة في الاستحقاق الاشتراعي الثاني في خمسة اشهر في انتخابات يتنافس فيها 16 حزبا سياسيا وسط أجواء من القلق
والتوتر بسبب الأوضاع الأمنية والقتال الدائر بين قوات الأمن التركية وعناصر منظمة حزب العمال الكردستاني الانفصالية في جنوب شرق البلاد وممارسات وصفها مراقبون بـ”القمعية” ضد وسائل الإعلام المعارضة لحكومة العدالة والتنمية.
ويضع الحزب الحاكم صوب عينيه هدفا رئيسيا، وهو الحصول على 276 مقعدا، أي النصف زائد واحد من إجمالي مقاعد البرلمان البالغ عددها 550، ليشكل الحكومة المقبلة منفردا ومن ثم تغيير الدستور من خلال توجيه البلاد لاستفتاء شعبي حتى يحقق رئيس الجمهورية التركية رجب طيب أردوغان تطلعاته بتحويل نظام البلاد من البرلماني إلى الرئاسي.
وفي الانتخابات الاشتراعية التي جرت في 7 حزيران مني حزب العدالة والتنمية بنكسة كبرى حيث خسر الغالبية المطلقة التي كان يشغلها منذ 13 عاما في البرلمان على رغم نيله 40,6 في المئة من الاصوات ما اغرق تركيا في حالة عدم استقرار.
وهذه النكسة تهدد ولو موقتا طموحات اردوغان الساعي الى فرض رئاسة مطلقة الصلاحيات على البلاد. لكن رجل تركيا القوي الذي يبدو واثقا من استعادة قوته، ترك المحادثات حول تشكيل حكومة ائتلاف تؤول الى الفشل ودعا الى انتخابات مبكرة.
والسبت حشد رئيس الوزراء المنتهية ولايته احمد داود اوغلو ومنافسوه من المعارضة لاخر مرة مناصريهم على امل تكذيب استطلاعات الرأي التي تتوقع جميعها ان تاتي نتيجة انتخابات الاحد تكرارا للنتائج التي خرجت بها صناديق الاقتراع قبل خمسة اشهر.
وتتوقع استطلاعات الرأي ان يحصل حزب العدالة والتنمية على 40 الى 43 في المئة من نيات التصويت وهي نتيجة غير كافية ليحكم بمفرده، بل قد يضطر مرة اخرى لمحاولة تشكيل حكومة ائتلافية.
وقال داود اوغلو امام الاف من مناصريه في انقرة ان تركيا بحاجة لحكومة قوية في هذه “الفترة الحرجة”. واضاف :”سنخلص بالتاكيد تركيا من الارهاب والمواجهات والعنف والمحنة” واعدا بان الاحد سيكون “يوم انتصار” لحزبه.
وجرت في الاسبوعين الاخيرين ثاني حملة انتخابية هذا العام في اجواء توتر مع تنامي اعمال العنف بشكل ملفت.
فمنذ الصيف، تجدد النزاع المسلح المستمر منذ 1984 بين متمردي حزب العمال الكردستاني وقوات الامن التركية في جنوب شرق البلاد المأهول بغالبية كردية، وتم دفن عملية السلام الهشة التي بدأت قبل ثلاث سنوات.
ووصلت الحرب الدائرة منذ اربع سنوات في سوريا الى الاراضي التركية. فبعد اعتداء سوروتش في تموز ، نفذ انتحاريان من تنظيم الدولة الاسلامية هجوما، يعد الاكثر دموية في تاريخ تركيا، ادى الى سقوط مئة وقتيلين اثناء تظاهرة مناصرة للاكراد في قلب العاصمة انقرة.
ويثير تنامي العنف اكثر فاكثر قلق الحلفاء الغربيين لتركيا بدءا بالاتحاد الاوروبي الذي يواجه تدفقا متزايدا للاجئين غالبيتهم من السوريين انطلاقا من اراضيها.
“حكم الرجل الواحد”
ويجد الرئيس الاسلامي المحافظ نفسه امام تحد مصيري بعد ان هيمن بلا منازع على تركيا طيلة ثلاث عشرة سنة، لكنه بات اكثر فاكثر مثار جدل في البلاد.
وأحجم اردوغان هذه المرة عن القيام بحملة كما فعل في حزيران ، لكنه وضع كل ثقله في سبيل تشكيل “حكومة الحزب الواحد”.
وكرر رئيس الدولة امام الصحافيين “ان هذا الانتخاب سيسمح بالحفاظ على الاستقرار والثقة” مؤكدا “بإذن الله سيصوت الناخبون غدا لصون وحدتنا الوطنية من دون الاستسلام للتنظيمات الارهابية”.
ورات المحللة اصلي ايدنتاشباش من المجلس الاوروبي للعلاقات الخارجية “ان الرهان الرئيسي للانتخابات الاشتراعية سيكون تقليص او تعزيز سلطات اردوغان”.
ومنذ اسابيع تطالب المعارضة بانهاء “حكم الرجل الواحد”.
وقال زعيم المعارضة الاشتراكية-الديموقراطية كمال كيليتشدار اوغلو في اسطنبول ان “ثقافة التسوية هي قاعدة اساسية للديموقراطية. ونحن ندعمها. لكن اذا اراد شخص ما فرض قانونه، فان ما يقوله يصير مصدرا للتوتر”.
وانتقد نظيره القومي داود بهجلي في اضنة النزعة “السلطوية” لدى اردوغان متهما اياه بانه “خالف الدستور”.
وفي هذا الاطار من الاستقطاب السياسي، يشكك المحللون السياسيون في نتيجة محادثات جديدة لتشكيل ائتلاف حكومي ويتوقعون من الان، في حال فشلها، الدعوة الى انتخابات جديدة اعتبارا من الربيع المقبل.
وحذر اوزغور اونلوحصارتشيكلي من مركز “جرمان مارشال فاند” للابحاث في انقرة من ان “الناخبين تعبوا من الانتخابات”، و”الحزب الذي سيجر البلاد الى انتخابات ثالثة سيعاقبونه بقسوة”.
وتم فصل نحو اربعمئة الف شرطي ودركي للاشراف على امن الاقتراع خصوصا في جنوب شرق البلاد الذي يشهد تجدد النزاع الكردي.
وعبرت بعثة المراقبين التابعة لمنظمة الامن والتعاون في اوروبا في تقرير نشر هذا الاسبوع عن قلقها مشيرة الى “ان الظروف السيئة خصوصا في المناطق التي اعلن فيها نظام منع تجول اساءت الى حرية الحملة الى حد كبير”.
“حزب العدالة او الفوضى“
ويثير تنامي العنف اكثر فاكثر قلق الحلفاء الغربيين لتركيا بدءا بالاتحاد الاوروبي الذي يواجه تدفقا متزايدا للاجئين غالبيتهم من السوريين انطلاقا من اراضيها.
وووضع هذا المناخ المتضافر مع تباطؤ الاقتصاد نظام اردوغان في موقع صعب، ولو انه ركز خلال الحملة الانتخابية على خطط انهاض الاقتصاد.
ولكسب اصوات القوميين جعل احمد داود اوغلو الذي يتراس حزب العدالة والتنمية، من الامن وسلامة البلاد موضوعه الرئيسي تحت شعار “حزب العدالة والتنمية او الفوضى”.
في المقابل، تندد المعارضة منذ اسابيع بتعاطف السلطة مع جهاديي تنظيم “الدولة الاسلامية” وانحرافها نحو الاستبداد.
وخلصت اصلي ايدنتاشباش الى القول ان “السيناريو الاكثر ترجيحا يبقى هو نفسه: المزيد من الغليان”.