نون والقلم

د. صلاح سلام يكتب: بئر المسمى 

من المؤكد أن بئر المسمى غير معروف لكثير من الناس ولا حتى محرك البحث جوجل.. قد يعرفون قصة إحسان عبد القدوس بئر الحرمان والتي برع فيها في التحليل النفسي والتي تحولت لفيلم مختلف عن القصة الأصلية إلى حد كبير. 

وبئر السبع من خلال مسلسل السقوط في بئر سبع عن قصة عبد الرحمن فهمي وهي أحد قصص الجاسوسية عن إبراهيم شاهين وزوجته انشراح وتدور أحداثه بين حربي 1967 و1973.. وربما يكون البعض قد سمع عن بئر العبد بعد الحادث الغادر لمسجد الروضة في العشرية السوداء التي القت بظلالها الكئيبة على ربوع سيناء وبالأخص شمالها. 

وأكيد أهل إسكندرية عندهم حكايات عن بير مسعود.. أما بير المسمى كما يطلق عليه العامة، فهو عين طبيعية في منطقة منخفضة وسط الكثبان الرملية يوجد على مقربة منها بعض أشجار النخيل ويقع في الناحية الشرقية من مدينة العريش إلى الجنوب قليلا. 

وقد اشتهر هذا الاسم إبان حرب يونيو 1967 حيث اختارت بعض الأسر أن تترك سكنها في مدينة العريش والهروب إلى هذه المنطقة طلبا للأمان، ومن المؤكد أن وجود بئر مياه كان يؤمن الحياة لمن قصدوا هذه المنطقة التي لا توجد بها حصون بابليون ولا سور الصين العظيم وإنما هي منطقة رملية ربما يكون من الصعب الوصول إليها بالسيارات التقليدية وهو ما اعتبره من لجأوا إليه أكثر أمنا. 

ومن ناحية أخرى أنه من المعروف أن الغزو سوف يأتي من الطرق المعبدة الرئيسية وهو طريق غزة العريش القنطرة الدولي الموازي لشاطئ البحر في غرب العريش وبالتالي فإن البيوت التي تقع على هذا المسار سوف تكون أكثر عرضة لنيران المدافع أو التنكيل بساكنيها حال دخول القوات المعادية وهو ما خبروه في حرب 1956. 

ويبدوا أن فكرة الهروب إلى منطقة المسمى لم تكن وليدة حرب 1967 وإنما تم تجربتها من قبل في حرب 1956 واعتبرها العامة ملاذ آمن، وأكيد لم تكن في حساباتهم الطائرات التي ترصد كل ما هو على الأرض، ولكن نصب الخيام تحت النخيل ربما يعطيهم شيء من الأمان المفقود. 

ولم تكن الأسر التي قصدت هذه الوجهة قليلة بل أصبح شعار «طريق المسمى فين» هو شعار الهروب من ويلات الحرب لكل من يتحرك على هذه الأرض بعد أن احرقت الطائرات الإسرائيلية الأخضر واليابس في ضربة استباقية عجلت بالهزيمة الغير متوقعة في خضم الحشد الإعلامي والعسكري الذي كان يشي بأننا سوف ننتصر وندخل تل أبيب في الساعات الأولى من الحرب. 

ولكن حدث ما لم نتوقعه، فكان الهروب الكبير إلى القنطرة لمن استطاع أو إلى منطقة بحيرة البردويل ثم إلى شواطئ بورسعيد أو إلى بير المسمى الذي كان عامرا بمن هجروا بيوتهم مبكرا من اللحظات الأولى للحرب عندما سمعوا إرسال إذاعة لندن والتي كانت تبث الرواية الحقيقية للمعارك عكس البيانات الفضفاضة التي كانت تنطلق من ميكروفون هيئة الاستعلامات المجاور لبيتنا بصوت المذيع جهوري الصوت أحمد سعيد والتي توقفت بعد أن بدت الحقائق على الأرض تقول إننا خسرنا المعركة. 

ومكث رهط من سكان العريش وضواحيها وبعض الجنود الذين لاذوا بهم في منطقة المسمى يشربون من البئر ويأكلون ما تيسر لهم مما حملوا ولكن خزائنهم قد فرغت واضطر البعض أن يأكل أوراق الشجر ومن حسن الحظ أن الوقت كان مطلع صيف فلا برد ولا مطر والمثل السائر يقول حصيرة الصيف واسعة فلا فرش ولا غطاء إلا نوم في «المقباس» وهو عبارة عن حفرة بطول الشخص يتم إزاحة الرمال عن يمينها ويسارها فينام الشخص في حضن الأرض فتكون أكثر دفئا. 

وظل الحال كذلك إلا أن توقفت أصوات المدافع وبدأ السكان يعودوا إلى ديارهم وعاد معهم بعض الجنود والضباط ولكن بزي مدني واستطاع شباب المقاومة استخراج بطاقات لهم بوظائف مدنية وايجاد طرق مختلفة لتهريبهم عبر طرق وعرة حتى يصلوا إلى غرب قناة السويس وهذه قصة أخرى.  

للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا 

 

    t –  F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر  لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية 

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى