انطلقت فعاليات مؤتمر الإمارات الدولي للتاريخ الشفاهي والذي نظمه الأرشيف والمكتبة الوطنية تحت شعار «ذاكرتهم تاريخنا مناهج الاستدامة وحفظ المعرفة في التاريخ الشفاهي» وذلك صباح اليوم الاثنين، في مقر الأرشيف في أبوظبي بمشاركة عدد كبير من الباحثين والمختصين من الدول العربية والأجنبية والذين أكدوا خلال الفعالية على أن التاريخ الشفاهي لا يقلّ أهمية عن التاريخ الكتابي، إذ تختزن ذاكرة رُواته الأحداث والمواقف والروايات التي تعدّ من مصادر التاريخ، وربما تكون قد غابت عن أقلام المؤرخين.
إرث الأجيال:
في مستهل المؤتمر ألقى عبد الله ماجد آل علي مدير عام الأرشيف والمكتبة الوطنية كلمة أكد فيها على أن الأرشيف والمكتبة الوطنية سيظل أحد الحصون الراسخة لحفظ التراث وتوثيقه، وستظل جهوده مكرسة لترسيخ الهوية الوطنية وإثراء الذاكرة الثقافية.
وقال: «إن أهمية الرواية الشفاهية تتجلى في تعزيز الحوار مع الماضي، بوصفها شرايين حية تربط الأجيال المعاصرة بتجارب من سبقهم، وتعمق فهمهم لخصائص مجتمعاتهم وجذورهم، فهي مرآة تسهم في ترسيخ عناصر الهوية الوطنية، وفي مد جسور عميقة بين الماضي والتناغم بين الحضارات، وتسهم في فهم أوسع وتفاعل أكثر إنسانية بين الثقافات».
وأضاف: «ندرك اليوم أهمية ذلك، إذ نرى أمام أعيننا ما وثقته عدسات المصورين وآلات تسجيلهم بالصوت والصورة، وما رصدوه من الكنوز البشرية، وما نقلوه من شهادات حية من مخضرمين عاصروا أحداثاً ومواقف شكلت صفحات لا تنسى من تاريخنا، مؤكداً أن هذه الروايات ليست مجرد سرد للذكريات وإنما هي محفز يلهمنا لنقتدي بتضحيات الآباء والأجداد ونجعل من إرثهم حافزاً لحفظ ذاكرتنا الحية وملامح مجتمعنا الأصيل».
ونيابة عن الشيخة الدكتورة شما بنت محمد بن خالد آل نهيان رئيسة مجلس إدارة ومركز الشيخ محمد بن خالد آل نهيان الثقافي، ألقت مريم حمد الشامسي الأمين العام لمؤسسات الشيخ محمد بن خالد آل نهيان- كلمة ضيف الشرف. وقالت: «إن تاريخنا قد ظل لزمان ينتقل عبر أجيال متعاقبة عبر قصّ الحكايات الشفاهية، وأن التاريخ الشفاهي هو الوسيلة الأساسية في نقل ثقافتنا وموروثنا، وحركة الأحداث التاريخية التي مرت بها، وأن هذه القصص والحكايات والأساطير التي تنتقل شفاهياً تعتبر المؤطِر الرئيسي للمخزون الثقافي والقيمي للهوية الوطنية الإماراتية».
وأوضحت: «مع التطور التكنولوجي وتعدد منهجية التوثيق العلمي والثقافي للتاريخ تراجع دور التاريخ الشفاهي في توثيق الحاضر، ولكنه بقي ركيزة رئيسية في توثيق الماضي، وأن أرشفة تاريخنا الشفاهي بصورة تحفظه هو حفظ ذاكرتنا التاريخية والإنسانية للأجيال القادمة».
وشددت كلمة الشيخة الدكتورة شما بنت محمد على محاور المؤتمر التي تغوص في القيمة الإنسانية في تاريخنا وخاصة حين يكون اللؤلؤ محوراً رئيسياً، فهو الشاهد على فترات زمانية عاش فيها المجتمع الإماراتي ما بين فترات رخاء وفترات صعبة في العيش، فاللؤلؤ ليس مجرد مصدر اقتصادي كان يدر على أجدادنا الرزق بل هو رمز الصمود والقدرة على التكيف مع صعوبات الحياة.
قصص اللؤلؤ:
جاءت الجلسة الأولى من المؤتمر تحت عنوان: «اللؤلؤ: مصدر الغموض والصفوة والجاذبية» وشارك فيها مصطفى الفردان الباحث في التراث عن اللؤلؤ، وديباك باتيا الباحث والكاتب في التاريخ، ومحمد عبد الرزاق آل محمود باحث وخبير في تاريخ اللؤلؤ الطبيعي وصناعته في البحرين، وأدارت الجلسة الدكتورة عائشة بالخير مستشارة البحوث والمنسق العام لمؤتمر الإمارات الدولي للتاريخ الشفاهي، والتي تطرقت إلى أهمية اللؤلؤ تاريخياً واقتصادياً وبجوانبه الاجتماعية والإنسانية وأثره في الثقافة الشعبية.
واستهلها مصطفى الفردان بورقة بعنوان «اللؤلؤ مصدر الغموض والبحث عن المعرفة» وتطرق إلى المعالم المادية وأدبيات التراث المدون، وأشار الفردان مؤلف كتاب «اللؤلؤ المكنون» إلى بداية الغوص، وملحمة جلجامش، ثم تحول إلى الغوص في الشعر الجاهلي والأموي، وتطرق إلى أبرز الأساطير التي استمدها الناس من مهنة الغوص في الإمارات.
واختتم كلمته بقول لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي: «نشكر التحديات التي تعلمنا منها، نشكر الظروف التي صنعتنا، نشكر الماضي الذي أوصلنا إلى ما نحن عليه».
بعد ذلك استعرض ديباك باتيا مؤلف كتاب «لؤلؤ دبي» جوانب مهمة من قصة عائلته التي عرفت بتجارة اللؤلؤ وصناعته، وأيد حديثه بالعديد من الصور القديمة والنادرة لجده وشركائه في هذه المهنة، وتحدث عن أنواع مميزة من اللؤلؤ مثل: القمر، ودموع القمر، وغيرهما، وتحدث باتيا عن الكتاب الذي وثق فيه عن اللؤلؤ، وأصول تجارته.
واختتم محمد عبد الرزاق آل محمود الجلسة باستعراضه الاهتمام التاريخي لدول مجلس التعاون والبحرين بالغوص على اللؤلؤ، وبممارسة جده ووالده تجارة اللؤلؤ، وشغفه الشخصي به، وسرد قصصاً طريفة عن اللؤلؤ والبحث عنه وتجارته وأهميته، كما تحدث عن اللؤلؤ كزينة للرجال في الخواتم، وأزرار الملابس، وفي السيوف والخناجر.
وتناولت الجلسة الثانية قضية “التعلم والإرث المتبادل بين الأجيال” وقد رأسها لورين كات مساعد أمين المكتبة الأكاديمية للأرشيف والمجموعات الخاصة في جامعة نيويورك أبوظبي، وشاركت فيها كل من: مارك أوبتن من المملكة المتحدة، وآية الحيرة من دولة الإمارات العربية المتحدة، وهاجر فيصل عامر من مصر.
وسلطت الجلسة الثالثة الضوء على «ارتباط الهوية الوطنية والتراث بالموسيقى الشعبية»، حيث أدار الجلسة حميد عبد الله المزيني، وشارك فيها كل من: الدكتور فيصل إبراهيم التميمي من قطر، وأزهر كبة من العراق، وروزا ماريا أروجو من البرازيل.
وركزت الجلسة الرابعة على «مناهج استدامة التاريخ الشفاهي: نماذج من ثلاث دول» وقد أدارت الجلسة ميثا الزعابي رئيس قسم التاريخ الشفاهي في الأرشيف والمكتبة الوطنية، وشارك فيها كل من: الدكتور مبارك بن بلقاسم جعفري من الجزائر، والبروفيسور أليستير طومسون من استراليا، وأدريان كاين دارو من الولايات المتحدة الأمريكية.
نون – دبي- عبير يونس
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية