إن أكبر مصيبة على وجه الأرض هي فاجعة الموت والفقد درجات وأكبرها وأعظمها فقد الضنى فهو اختبار صعب تتمنى دائما أن لا يكتبه الله على أحد.
وقد اذهلتني تلك الخنساء التي كانت تبحث عن فلذة كبدها في المقابر الجماعية في غزة جراء معركة طوفان الأقصى، وعندما رأت جثمانه طفقت تزغرد.. كيف انطلقت علامات الفرح في قمة الألم من أين أتت هذه المرأة بهذا الجبل من الصبر؟
ترى هل رأت على وجهه علامات الجنة؟ هل رأت روحه معلقة وهي تصعد إلى بارئها لتسكن إلى جواره راضية مرضية؟.. ماذا رأت تلك الأم المكلوم التي جفت دمعتها وغرد صوتها من بحار الألم تعزف ذاك النغم الذي اعتدنا عليه في الأفراح والليالي الملاح؟ هل رأت الملائكة يرفعون جسده ويحملون روحه على أكفهم؟ لا أظن أنها فقدت صوابها فقد رأينا من قبل أمهات يودعن أبنائهن الشهداء بالزغاريد، ولكنهم كانوا في وضعية أخرى عما نراه الآن حيث الحرب المدمرة والمقابر الجماعية والجوع والحصار.
كيف يصبح منتهى الأمل أن تجد الأم جثمان ولدها فتصيح مزغردة؟..
هل أصبح قمة الألم خليط من الفقد والأمل.. إن كل قواعد العلوم الإنسانية والفلسفة الوجودية تعجز عن تفسير هذا المشهد فلا المعري شاهده ليقرضه شعرا ولا أبو العتاهية رأه ليحسبه زهدا ولا شوقي سطره في بوردته وربما يكون الخيام قد أورد الموت في رباعياته لكنه لم يوصف حال تلك الأم الثكلى وهي تغرد.
لاشك أن هناك قرابة الخمسون ألف قصة للموت في الأرض السليبة كانوا بالأمس أحياء يرزقون وسبقهم أضعاف أضاعفهم واختلفت المشاهد وحارت العقول وهي تشتكي ظلم الإنسان لأخيه الإنسان وكأن الأرض قد ضاقت بأهلها وكل يريد العيش على جثث الأخرين ولا يعلم أنه حتما راحل مهما تيسر له العيش.
ولكن هي النفس الأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي.. مؤكد أن صاحبة الزغرودة لديها يقين أن من مات غدرا وسط الدمار له عقبى الدار ومن عاش باطشا يحلم بطول الأعمار سيزول يوما تحرقه أنات الثكالى وغيظ المكظومين.. ونار تندلع من صدور المكلومين ستحرقه يوما.. إنه يوم الدين.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية