نون والقلم

د. هويدا عزت تكتب: التحيز في الإدارة: سُم خفي في بيئة العمل

كبشر، نميل إلى تفضيل بعض الأشخاص على الآخرين، قد يكون ذلك عفويًا تمامًا، أو قد يكون تحيزًا، وهو ما يؤدي إلى تكوين علاقات مُعقدة، وصعوبات في التواصل، واتخاذ قرارات غير عادلة، ويتجلى هذا التحيز في مجالات مختلفة من حياتنا، ومنها العمل، ويعد التحيز داخل بيئة العمل بمثابة سُم خفي، هذا السلوك غير المهني يؤدي إلى خلق جو من التنافس غير الصحي، ويُضعف روح الفريق. 

 وتتعدد أسباب تفضيل المدير لبعض الموظفين، فمنها عوامل شخصية ترجع إلى وجود روابط مشتركة في الخلفيات الثقافية أو الاهتمامات، أو حتى علاقات صداقة خارج العمل، كما تلعب المهارات والكفاءات دورًا حاسمًا في هذا التفضيل، حيث يميل المدير إلى دعم الموظفين الذين يمتلكون قدرات عالية ويُساهمون بشكل فعال في تحقيق أهداف الفريق، ولا يمكن تجاهل دور التحيزات اللاواعية في تشكيل هذه التفضيلات، حيث قد تؤثر عوامل مثل النوع، العرق، أو العمر، بشكل غير مباشر على تقييم أداء الموظفين واتخاذ القرارات المُتعلقة بهم. 

 ويتسبب التحيز الإداري في معاناة نفسية كبيرة للموظفين، حيث يشعرون بالظلم وعدم التقدير، هذه المُعاملة غير العادلة تؤدي إلى تراجع في أدائهم، وتزيد من معدلات الغياب والتسرب، مما يترتب عليه خسائر مالية كبيرة للمنظمة، علاوة على ذلك، فإن البيئة السامة الناتجة عن التحيز تدفع بالموظفين المؤهلين إلى البحث عن فرص أفضل، مما يؤدي إلى فقدان الكفاءات وصعوبة في استقطاب المواهب الجديدة. 

 ولا يتوقف تأثير التحيز في الإدارة عند معاناة الموظفين فحسب، بل يتعداه إلى قلب المنظمة، فبالإضافة إلى فقدان المواهب، يؤدي هذا التفضيل إلى تدهور الابتكار والإبداع، عندما يشعر الموظفون بأنهم غير مقدرين أو أن فرصهم محدودة، يصبحون أقل حماسًا لتقديم أفكار جديدة أو المخاطرة بتجربة أساليب عمل مختلفة، مما يؤثر سلبًا على تحقيق الأهداف الإستراتيجية للمنظمة، وعدم قدرتها على التكيف مع التغيرات المُتسارعة في بيئة الأعمال. 

 كما أن تحيز المديرين لبعض الموظفين قد يشكل انتهاكًا لحقوق الإنسان في العمل، ويُمثل عقبة كبيرة أمام تحقيق أهداف المنظمة، وتشير العديد من الدراسات الإدارية إلى وجود مجموعة من الإجراءات الفعالة لحل المشكلات في بيئة العمل من أبرز هذه الإجراءات التواصل المُباشر مع المدير، حيث يُنصح الموظفون الذين يواجهون أي نوع من الظلم بمناقشة الأمر مع مديرهم بشكل مهني وواضح، مع التركيز على الآثار السلبية المُحتملة على أداء الفريق وإنتاجية المنظمة، وفي حال عدم الوصول إلى حل مرضٍ، يمكن للموظف اللجوء إلى قسم الموارد البشرية لتقديم شكوى رسمية، كخيار أخير، أوقد يجد الموظف أن البحث عن فرص عمل أخرى في بيئة أكثر عدالة هو الحل الأمثل. 

 رغم أن التحيز في الإدارة يُمثل تحديًا كبيرًا، إلا أنه ليس من المستحيل التغلب عليه، حيث يمكن للمنظمات أن توفر بيئة عمل مُحفزة للإنتاجية والابتكار، من خلال تبني سياسات ومُمارسات عمل عادلة ومنصفة، يمكننا خلق بيئة عمل تشجع على التنوع والشمولية، وتتيح للجميع تحقيق أقصى إمكاناتهم، هذا بدوره يُساهم في تعزيز الابتكار والإبداع، ويحقق النمو المُستدام للمنظمة. 

كاتبة وباحثة في العلوم الإدارية وفلسفة الإدارة 

للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا 

 

     t –  F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر  لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية 

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى