نون والقلم

«داعش »… شماعة أوباما

الرئيس الأميركي باراك أوباما مهجوس بـ «تنظيم الدولة الإسلامية» (داعش). على رغم ضخامة المأساة، والدور الكبير للنظام السوري فيها، والعدد الكبير للميليشيات (سنّية وشيعية)، والدول المنخرطة فيها، لا يرى أوباما خطراً إلا في «داعش». هذا التنظيم يضاعف من المأساة، لكنه نتيجة لها. أوباما لا يستطيع أن يرى ذلك. سيلاحق هذا الموقف أول رئيس أميركي من أصول أفريقية. لا أقول هذا لأنني أعتبر أن لهذا الجانب العرقي علاقة بالرؤية السياسية للرئيس، أبداً، لكنني أقوله لأنه حقق بفوزه بالرئاسة مرتين اختراقاً اجتماعياً وسياسياً كبيراً على المستوى المحلي الأميركي. وفشل في تحقيق أي اختراق بالحجم ذاته على مستوى السياسة الخارجية. ماذا عن الاتفاق النووي مع إيران؟ موقف أوباما من الثورة السورية وتحولها إلى مذبحة حرب أهلية حصل على ساعته، وفي زمنه، وبدوره في المسار الذي اتخذته الأحداث. حصل كل ذلك بلا مبالاة منه، ما سيلقي بظلال ثقيلة على رئاسته بما فيها الاتفاق، وهو اتفاق موقت. ولأن له زمناً محدداً ينتهي بانتهائه، سيظل تحت النظر والاختبار. قد لا يأتي الحكم النهائي عليه إلا بعد نهاية المسيرة السياسية لأوباما. روسيا وإيران طرفان في الاتفاق، وفي الحرب الأهلية السورية. كل منهما استخدمت الاتفاق لدعم موقفها في هذه الحرب. وقَبِلَ أوباما أن يكون شاهد زور على التداخل السياسي والأخلاقي ما بين هذا الاتفاق وهذه الحرب التي وصل عدد ضحاياها إلى أكثر من ربع مليون قتيل، وأكثر من 10 ملايين مهجر بين الداخل والخارج. ولا يزال عدّاد القتل والتهجير مستمراً.

هناك رؤية أميركية لموقف أوباما. رؤية من داخل الخطاب الأميركي، ومؤسسة الحكم الأميركية. وقد جاءت يوم الثلثاء الماضي أثناء جلسة استماع لوزير الدفاع، آشتون كارتر، ورئيس هيئة الأركان، الجنرال جوزيف دانفورد، أمام لجنة خدمات القوات المسلحة في مجلس الشيوخ. أهم ما فيها أنها كانت جلسة تشبه المحاكمة لاستراتيجية الرئيس من جانب غالبية جمهورية للوزير والجنرال كممثلين لإدارة ديموقراطية. وقد ارتفعت حرارة المحاكمة عندما جاء دور السيناتور الجمهوري المعروف، ليندزي غراهام. بدأ غراهام محاكمته بالتأكد من أن هناك استراتيجية جديدة للإدارة في محاربة «داعش». كانت الأولى تقوم على تدريب المقاتلين وتجهيزهم خارج سورية. أما الجديدة فتفعل عكس ذلك. التدريب والتجهيز فيها يتم داخل سورية. الأولى فشلت في شكل محرج، والإدارة تعترف بذلك. هل تختلف الجديدة عن الأولى؟ هنا تبدأ محاكمة السيناتور. وقد تم تداول هذا المقطع من المحاكمة على نطاق واسع عربياً في الـ «واتساب». وعلى رغم طوله إلا أنه مهم لأنه كاشف، ليس فقط لاستراتيجية أوباما، بل لقوة السلطة التشريعية وهي تسائل السلطة التنفيذية بقوة وشراسة أحياناً. يوجه السيناتور سؤاله إلى الوزير:

• غراهام: هل لا يزال هدفنا استبدال الأسد؟

• كارتر: بالتأكيد…

• غراهام: هل هذا هو هدفنا؟

• نعم، الانتقال من (مرحلة) الأسد إلى حكومة تشمل الجميع، معتدلة ومتماسكة…

ينتقل السيناتور الجمهوري إلى الجنرال دانفورد بالسؤال:

• غراهام: هل سنقوم بتوفير غطاء جوي للمقاتلين الذين دربناهم لمحاربة «داعش»؟

• دانفورد: نعم، سنقوم بذلك.

• غراهام: هل هؤلاء المقاتلون يريدون إسقاط الأسد أيضاً؟

• دانفورد: اهتمام الذين ندربهم الآن يتركز على محاربة «داعش».

• غراهام: هل لديهم هدف لإسقاط الأسد؟

• دانفورد: (بتردد واضح) لا أعرف.

• غراهام: (بحدة واستغراب واضحين) ماذا تعني بـ «لا أعرف»؟

• دانفورد: (بداية ارتباك الجنرال)… الذين ندعمهم… لا أعرف… لأن…

• غراهام: (مقاطعاً) ألا تعتقد أن غالبية الناس في سورية تريد شيئين: تدمير «داعش»، والتخلص من الأسد…؟ هل هذا لغز أو سر (من أسرار الآلهة)؟

• دانفورد: لا، هو ليس سراً، سيدي.

• غراهام: فعلاً هو ليس سراً. هل روسيا تقاتل من أجل الأسد؟

• دانفورد: روسيا تقاتل من أجل الأسد.

• غراهام: وإيران تقاتل من أجل الأسد؟

• دانفورد: هما تفعلان ذلك.

• غراهام: و «حزب الله» يقاتل من أجل الأسد؟

• دانفورد: هو يفعل ذلك.

• (حسناً) عندما يقرر المقاتلون الذين دربناهم لمحاربة «داعش» توجيه سلاحهم إلى الأسد، هل سنحارب معهم لاستبدال الأسد؟

• دانفورد: لا أستطيع الإجابة عن هذا السؤال، سيدي.

• غراهام (موجهاً كلامه إلى وزير الدفاع): الوزير كارتر، هل تستطيع الإجابة عن السؤال؟

• كارتر: (بتردد) دعني أكن واضحاً… لنأخذ…

• غراهام (مقاطعاً) هذا اليوم (توجيه سلاح المقاتلين للأسد) آتٍ…

• كارتر: لنأخذ الأكراد… وو…

• غراهام (مقاطعاً): هل ترى إمكان حدوث سيناريو حيث الناس في سورية لا يريدون محاربة الأسد؟

• كارتر (مواصلاً حديثه): الناس (المقاتلون) الذي نجهزهم يأتون من مناطق تحت سيطرة «داعش»…

• غراهام: هل يريد هؤلاء إسقاط الأسد؟

• كارتر: في الغالب يتركز اهتمامهم على هزيمة «داعش»…

• غراهام (مقاطعاً، يريد إجابة عن السؤال): هل يريدون إسقاط الأسد؟

• كارتر: متردداً…

• غراهام: هل سألتهم (عما يريدون)؟

• كارتر: نحن نعرف نيتهم، محاربة «داعش» (أي لم نسألهم).

• غراهام (وقد ارتفعت نبرة صوته): دعك من هذا. أنت تعرف، كما أعرف، وكلاكما يعرف، أن الإنسان السوري العادي لا يريد فقط تدمير «داعش»، بل تدمير الأسد كذلك… وهنا السؤال لهذه اللجنة: كيف يمكننا تفعيل إمكان مغادرة الأسد (استبداله) إذا كان الروس، وإيران، و «حزب الله» سيقاتلون من أجله، ونحن لن نفعل أدنى شيء لمساعدة أولئك الذين يريدون إسقاطه؟ وكلاكما (كارتر ودانفورد) يعرف ذلك. ولذلك عندما يذهب كيري (وزير الخارجية) إلى جنيف سيقوم بتسليم سورية للروس والإيرانيين. هل هناك أي تهديد عسكري للأسد ذو صدقية، في الوقت الذي يقف الروس والإيرانيون و «حزب الله» إلى جانبه؟

• غراهام (موجهاً سؤاله إلى الجنرال): هل ترى أي تهديد عسكري ذي صدقية للأسد يمكن أن يؤدي إلى إسقاطه؟

• دانفورد: أعتقد أن ميزان القوى الآن لمصلحة الأسد.

• غراهام: ليس لمصلحته فقط، بل هو في مأمن. وهذا ما يحدث فعلاً. استراتيجية (الإدارة) تتهاوى في شكل كامل…

• غراهام موجهاً سؤاله إلى الوزير كارتر: هل ترى أي سيناريو حيث يمكن أن نقاتل لدعم أي مجهود لإسقاط الأسد؟

• كارتر (مرة أخرى بتردد): طريقتنا… لإزاحة الأسد… كانت دائماً…

• غراهام (مقاطعاً): هل تتضمن (طريقتكم) مكوناً عسكرياً؟

• كارتر (بهدوء وتباطؤ لافتين): هي (طريقتنا)… في شكل أساسي… مجهود سياسي.

• غراهام: الإجابة إذاً «لا»، (لا تتضمن مكوناً عسكرياً).

تكشف محاكمة السيناتور أمرين: أن الجنرال كان أكثر وضوحاً ومباشرة في إجاباته، من الوزير السياسي الذي مهمته تسويق سياسة الإدارة. الثاني أن استراتيجية أوباما كما شرحها وزير الدفاع ليست أكثر من رؤية سياسية ضيقة، إما ساذجة أو خبيثة. اعترف الوزير بأنها تفتقد لأي عنصر عسكري ما عدا محاربة «داعش». وهذا مدهش. رئيس هيئة الأركان أقر بأنها استراتيجية انتهت إلى أن موازين القوة أصبحت لمصلحة الأسد، وليست للمقاتلين الذين يتم تدريبهم وفقاً لهذه الاستراتيجية. وهذا أكثر إدهاشاً. بل تنطوي استراتيجية أوباما على جانب غير أخلاقي مشين. لأنها تقوم على تدريب بعض السوريين، والتضحية بهم لمقاتلة «داعش» لمصلحة تخص أوباما نفسه. في الوقت نفسه ترفض الإدارة مساعدة هؤلاء للتحرر من الأسد، وقد أصبحوا حلفاء لها. بل ترفض حمايتهم من أي اعتداء عسكري قد يتعرضون له من سلاح الطيران الروسي، أو براميل الأسد. لماذا يقبل هؤلاء الانخراط في مثل هذه اللعبة السخيفة؟

ليس في هذا جديد. لكن فيه ما هو مهم وواضح. وهو أن خروج الدول العربية من معادلة التوازنات الإقليمية أوجد الفراغ الذي يعصف بالمنطقة: فراغ سياسي وعسكري وأيديولوجي. يسمح لرئيس مثل أوباما بممارسة لعبة يشبع فيها هوسه بـ «داعش»، ولروسيا أن تنقل مغامرتها من أوكرانيا إلى سورية، ولإيران أن توظف الميليشيات الطائفية كأداة لتوسيع نفوذها. تبدو الدول العربية عاجزة عن سد هذا الفراغ. تملأه استراتيجيات متناقضة وقاتلة: أميركية، وروسية، وإيرانية، وميليشياوية… إلى آخره.

أخبار ذات صلة

Check Also
Close
Back to top button