كما توقعنا، تخلى «حزب الكنبة» عن سلبيته، ونزل إلى صناديق الاقتراع، فقلب الطاولة، وفازت فرنسا.
لأول مرة منذ 40 عاماً يصوت هذا الكم الهائل من الناخبين ليعيدوا التوازن إلى الواجهة السياسية والتشريعية في بلادهم، المترددون خافوا على مستقبلهم، والمستهترون عرفوا بأن هذا وقت الجد الذي لا يقبل التراخي والاتكالية، فتراجع اليمين المتطرف إلى الوراء، لينتظر معركة قادمة يحقق من خلالها ما عجز عنه بالأمس.
هذه التقسيمة المختلطة تشبه أطباق المطاعم الفرنسية، اليسار في المقدمة، والوسط في مكانه حيث الرئيس ماكرون، واليمين يكمل الأنصبة بفارق ليس بعيداً عن نصيب الرئيس، فقد تغيرت الكثير من الأمزجة عند التصويت، فحققت الهدف الأول، وهو تجنب الفكر العنصري، وإبعاده عن السلطة في هذه المرحلة، خوفاً من العودة إلى الخلف والإضرار بمكاسب فرنسا وشعبها.
وفي نفس الوقت أظهر الناخبون عدم رضاهم على أداء الرئيس وحكومته، وللأسف ذهبوا إلى اليسار المعروف بأنه يتبنى فكراً بعيداً عن نظريات من أسسوا هذا الاتجاه، وتحولوا إلى «سياسة التسلق» ليس في فرنسا فقط، بل في كل مكان، حتى أصبحوا يشكلون خطراً على دولهم لا يقل عن خطر أولئك الذين يناصبونهم العداء، ويزيد اليسار على صفاته المستحدثة صفة «التلون»، فهو ثوري وصاحب خطابات نارية في حين، وهو يميني متطرف ومنحاز للظلم في أحيان كثيرة، يركب كل موجة قد تقوده إلى الأمام أو تثبته في المقدمة التي قادته الظروف إليها.
مارين لوبان، وقادة اليمين المتحالفون معها، لن يتوقفوا عن المناكفة، فهم اليوم لا يعملون منفردين، وتأثيرهم لا يقتصر على فرنسا فقط، بل يتمددون إلى كل أوروبا، وينسقون خطواتهم مع الحركات والأحزاب اليمينية التي وصل بعضها إلى الحكم في دول عريقة، ولوبان ومن معها مازالوا يتقدمون إلى الأمام، والمقاعد التي حصلوا عليها في البرلمان الفرنسي أكبر دليل على ذلك، وهذا ما يريدونه، المؤيدون يزداد عددهم، والفجوة بينهم وبين الآخرين تضيق، ويراهنون على السنوات القليلة القادمة.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية