نون والقلم

صبحة بغورة تكتب: لعنة ميدوسا 

تروي الأساطير الإغريقية أن فتاة قروية تحولت ضفائرها بعد سن البلوغ إلى شكل الثعابين الملتوية فوق رأسها والمتدلية حتى صدرها فكانت مثار سخرية أهل قريتها الذين كرهوا رؤيتها وكرهتهم هي أكثر وتعاظم حنقها حتى صارت تتمتع بقدرة بصرية عجيبة إذ يتحول كل من تنظر إليه شزرا إلى حجرة وهكذا تحول الكثير من شبان وفتيات قريتها إلى أحجار مرمية على جانبي الطريق ولا يحسبهم أهل القرية كذلك إنما ظنوا أن وراء اختفاء أبنائهم الغامض سر كبير.    

أثارت هذه القدرة العجيبة في نفس الفتاة الإغريقية «ميدوسا» رغبة جامحة في إحكام السيطرة على قريتها وإخضاع أهلها فكشفت لهم عن سر اختفاء أبناءهم وبناتهم، البعض لم يصدقها بينما خاف الآخرون أن تشملهم لعنة هذه الفتاة، ثم أثبتت الأيام صدقها وأكدت الأحداث قدرتها العجيبة فتجنبوا إغضابها خوفا من انتقامها. 

انتشرت في الأرجاء أخبارها وتعمدت هي أن تختلق المشاكل كي تخضع أهل القرى المجاورة لإرادتها بالتهديد والتخويف فحوّلت الكثير من أهلها إلى أحجار مختلفة الأحجام حسب نحافة وبدانة كل ضحية. 

حلّ بقريتها ذات يوم شاب وسيم لم يعرها في البداية أي اهتمام بينما هي جذبها كبريائه وأغرمت به ، فهامت حبا في رجولته المفعمة بالحيوية ، تقربت منه وتمكنت من قلبه بأنوثتها الطاغية وبهمس عباراتها الآسرة التي لم يسمعها من قبل إذ كانت كلماتها ليست كالكلمات، أدمن لمساتها الرقيقة، ولم يعد يقدر على مقاومة جمال عينيها أو يطيق مغادرة نظراتها الساحرة، فبقي أسير حضرتها في فضاء العشق يغترفان حبا متبادلا لا يطيق الانتظار. 

ومع مرور الأيام صار الشاب يشمئز من ضفائرها الثعبانية وطلب منها قصها، ثارت عليه وهاجت غاضبة أمام إصراره على التخلص منها، وتحوّل حبها له كراهية حتى تغير ضوء عينيها إليه وعبثا حاول التخلص من تأثير نظراتها المهلكة، كانت تعلم أنها ستتخلص ممن أحبته ولكن توحّشها غلبها فبكت إشفاقا عليه وهي تراه أمامها يقاسي ألم التحول المخيف فسالت دموعها على الخدود خيوطا سوداء. 

أصابت لعنة ميدوسا عبر التاريخ الكثير من هواة نشر عمليات إبادة البشر والشجر وأعمال الهدم وتحطيم الحجر، وكان لسلطة الاحتلال نصيبا وافرا منها سلّطته على كل من قاوم الظلم أو حاول تبديد الظلمات، وعندما حباها القدر بدعم متين  ومساندة قوية ممن لا ينتصرون للحق لم تشعر بواجب الامتنان لأحد بالفضل عليها  بل كانت كيانا قادرا على الفتك بمن لا يميل كل الميل لنصرته ،إذ كان له من اللوبيات من يملكون نواصي الأمور في الحكم بمختلف البلدان ويتمتعون بالقدرة على إبقاء النظام الحاكم أو تبديله أو تغييره كليا ، إنها المصالح التي تغلب ولعنة ميدوسا التي تحكم.  

ستبقى لعنة ميدوسا ما ظل الخير والشر في يوميات البشر، وستدوم ما دامت الفضيلة وبقيت الرذيلة في دنيا الناس، فأسطورة الفتاة ميدوسا هي عروس الخيال ومصدر الإلهام للكثير من المبدعين. 

للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا 

  

    t –  F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر  لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية 

أخبار ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى