غير مصنف

الاغتيالات والانفلات الأمني تؤرقان المواطنين في الجنوب السوري

ألقت ظاهرة الاغتيالات والفلتان الأمني التي تعيشها المنطقة الجنوبية من سوريا بظلالها على حياة المواطنين، حتى أصبحت الشغل الشاغل للناس وحديث الشارع هناك، الذي بدأ يطالب ويرفع الصوت عالياً لوقف أعمال القتل هذه، باعتبارها دخيلة على مجتمع، كان ولا يزال يحافظ على علاقات المحبة والتآلف والتعاليم الدينية السمحة، التي ترفض مثل هذه الممارسات وتعاقب مرتكبيها بأشد العقوبات.

ففي حين يرى فريق أن هذه الاغتيالات، هي تصفية حسابات بين أمراء الحرب ونزاع على النفوذ؛ يرى فريق آخر أنها من عمل النظام وخلاياه النائمة، وتهدف إلى التخلص من بعض القادة الميدانيين والناشطين الإعلاميين؛ لدب الفرقة في صفوف فصائل المعارضة، وإشغالها بمعارك جانبية تحيدها عن هدفها الأساسي وتخفف الضغوط على قوات النظام في المواقع العسكرية، والتي استغلت انشغال الفصائل بهذه القضايا، وبدأت تعيد ترتيب نفسها، وتعزز وتحشد قواتها لاستعادة بعض المناطق والمواقع الاستراتيجية، التي خسرتها على مدى أكثر من سنتين.

وأشار يعقوب العمار، رئيس مجلس محافظة درعا للإدارة المحلية في الحكومة السورية المؤقتة، إلى أن هذه الظاهرة باتت تقلق المجتمع الحوراني لما لها من تأثيرات سلبية على وحدة الصف والعلاقات العشائرية في مجتمع لا تزال تسيطر عليه العادات والتقاليد التي تستهجن مثل هذه الأعمال، وتحاربها بشتى الوسائل.

وقال العمار: إن “مجلس محافظة درعا يتابع عن كثب هذه الأعمال، ويرصد جميع هذه الممارسات الغريبة، التي بدأت تشل حركة المواطنين في المنطقة الجنوبية، والتي تتمثل بحوادث الاغتيال الناتجة عن تردي الحالة الأمنية”، لافتاً إلى أن “مجلس المحافظة يأسف لهذه الحالة التي وصلت فيها الأمور إلى هذه الدرجة من الانفلات الأمني”.

وأشار إلى أن المجلس باعتباره السلطة المدنية الرئيسية في المحافظة “يسعى إلى دعم المخافر الشرطية، التي تشكلت في بعض المدن والقرى والبلدات بما لديه من إمكانات ويعمل على دعم هذه المخافر؛ وذلك محاولة منه لتحقيق الأمن وإرساء جوانبه”، لافتاً إلى أن المجلس “يسعى بالتعاون مع دار العدل في حوران والفصائل المسلحة بجميع توجهاتها إلى تعزيز الأمن على الحواجز والنقاط، والعمل على اتخاذ إجراءات أمنية مشددة، على تنقل الأشخاص والسيارات ولا سيما خلال ساعات الليل، والتعرف والتأكد من شخصيات المارة ليلاً، لكون الأعداد التي تتنقل ليلاً محصورة وليست كبيرة”.

وأضاف العمار أن مجلس محافظة درعا بالتعاون مع دار العدل ونقابة المحامين الأحرار يعمل على تشكيل جهاز أمن داخلي، على مستوى المحافظة، وبدأ فعلياً بالخطوات التمهيدية، معرباً عن أمله بأن يرى هذا الجهاز النور قريباً.

ولفت إلى أن المجلس بالتعاون مع مديرية النقل التي شكلها حديثاً، بدأ بمنح لوحات جديدة لوسائل النقل في المناطق المحررة؛ بهدف إشهار السيارات ومعرفة ملكيتها.

وأكد أن الكل يتألم في المحافظة والمنطقة الجنوبية بسبب ما آلت إليه الأمور، داعياً جميع الفعاليات إلى التعاون والتنسيق فيما بينها للحد من هذه الممارسات.

العقيد خالد النابلسي، رئيس غرفة عمليات الجبهة الجنوبية في الجيش الحر، وقائد لواء “المعتز بالله” قال ، إن الوضع الأمني في المحافظة أصبح شديد التعقيد والجميع قلق من هذا الأمر.

وأضاف قائلاً: “لو بحثنا عن أسباب هذه الأعمال المنبوذة ومن يقف وراءها، وخاصة في هذه المرحلة، نلاحظ أن النظام كان دائماً حاضراً فيها من خلال خلاياه الموجودة ضمن المناطق المحررة”، لافتاً إلى أنه من الصعوبة بمكان “أن تراقب جميع السكان في المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة؛ لتداخل سكان المناطق نتيجة الأعمال العسكرية القريبة منها، وهذا التنقل والتداخل سمح لأعوان النظام بالتنقل بحجة الهروب من الخطر ما بين شرق المحافظة وغربها”.

ويضاف إلى ذلك “وجود ضعاف النفوس والأشخاص المنتفعين من الفوضى، وهو أمر لا يخلو منه أي مجتمع، فضلاً عن أصحاب الأفكار الدخيلة على مجتمعنا، أو ديننا الحنيف ممّن انتهج منهج الغلو بالقول والعمل، كل هذه الأسباب مجتمعة نعيدها إلى مسببها الأول وهو النظام الذي هيأ الأرضيه الخصبة، ليوصل رسالة للعالم مفادها أن المناطق المحررة غير آمنة؛ ليجعل الخيار بين بقائه وبين إحلال الفوضى أمراً مطروحاً”.

وقال النابلسي: “إن الجبهة الجنوبية من خلال الفصائل العاملة تعلم خطورة هذه الأمور، وتعمل جاهدة للحد منها، من خلال إقامة الحواجز على مداخل ومخارج القرى والبلدات، مشيراً إلى أن الصعوبة في السيطرة على ذلك، تكمن في أن المنفذين لهذه الأعمال الإجرامية قد يكونون من أبناء هذه المناطق؛ ما جعل الأمر يحتاج لتشكيل جهاز رقابة وهو ما بدأت تقوم به فعلاً الفصائل، حيث بدأ كل فصيل بتأمين الأمن ضمن منطقة عمله”.

وأضاف: “أن الملفت للنظر في تنفيذ هذه الأعمال أنها تتم بشكل منظم وبحرفية عالية، الأمر الذي يتطلب زيادة الحرص وتدريب عناصر تستطيع العمل لمواجهة هذه الأعمال والتحديات التي تهدف أيضاً إلى التأثير على الحاضنة الشعبية للجيش الحر، ومحاولة إظهاره بأنه غير قادر على تكريس الأمن في المناطق التي تقع تحت نفوذه”.

وقال: “نحن عملنا وسنعمل ما نستطيع للحد من هذه الأعمال وكشف من ورائها، فمهما عملت أيادي الشر فلا بد أن تنتصر إرادة الشعب ويحقق أهدافه مهما تآمر عليه المتآمرون”.

الناشط الإعلامي أبو البراء الحوراني، قال ، صحيح أن الاغتيالات تكثر عادة في مثل هذه الظروف التي تعيشها البلاد؛ لكن الأمر زاد عن حده، في منطقة الجنوب السوري، ما يؤشر إلى وجود خلل ما يجب العمل على كشفه، وكشف كل من يقف وراء أعمال القتل هذه، والتي يختار فيها القتلة خيرة أبناء المحافظة من القادة العسكريين، والإعلاميين ممّن لهم بصمات ملحوظة في العمل الثوري، والنشاط الإعلامي المرافق بغض النظر عن الانتماءات، والاصطفافات”.

ودعا كل الفصائل والقوى العاملة على أرض المحافظة للتكاتف، والعمل على كشف من يقوم بهذه الأعمال، والتي تخدم أكثر ما تخدم النظام وتوجهاته وإيقاع أشد العقاب بمنفذها.

الناشط الحقوقي أبو أيسر الدرعاوي، عزا هذه الأعمال إلى فوضى السلاح، والأوضاع الاقتصادية المتدهورة، لبعض الشباب الذي بات يستسهل عمليات القتل، إضافة إلى غياب التنسيق الأمني بين الفصائل والخلافات فيما بينها على مواقع السيطرة والنفوذ، واختراق هذه الفصائل من قبل عناصر لا تزال مرتبطة بالمخابرات السورية، وقوات النظام، “تعمل على شق الصف ودب الفتنة والشقاق بين الفصائل والقادة العسكريين”.

ودعا إلى الحذر من هذه العناصر، “والتي يكون فعلها السلبي وتأثيرها عادة أكبر من أي فعل آخر تستطيع أن تقوم به قوات النظام”.

يشار إلى أن محافظة درعا شهدت خلال الفترة الماضية من عمر الثورة السورية عدة اغتيالات، ومحاولات اغتيال فاشلة، طالت عدداً من القادة العسكريين والإعلاميين، أبرزهم المقدم نجم أبو المجد، وأبو علي العبود، وعبد الرحيم الزعبي، وأبو كنان الشريف، والنقيب إياد قدور، وفراس البدوي، والعقيد راتب طرشان الحريري، ومحمد موسى الزعبي، وياسر الخلف، والإعلامي أحمد المسالمة، ومحمد الحشيش، ومنتصر أبو نبوت، وغيرهم كثر.

ويجمع بين هؤلاء أنهم من صفوف الجيش السوري الحر والفصائل الثورية الأخرى، الذين خاضوا معظم المعارك في الجنوب السوري، وأبلوا بلاءً حسناً فيها، وحققوا إنجازات ميدانية كبيرة.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى