ارتفعت أصوات التكبير والتهليل، في كل جنبات الأرض، إيذانا بقدوم يوم الفرح والسرور، واحتفالا بيوم الجائزة، بيوم السعادة، والانتقال من حالة الجد والاجتهاد الي حالة ينال فيها الجسد راحة والقلب متعة، والروح بهجة.
ولقد أخذني بشدة استاذ الأدباء مصطفى صادق الرافعي، في كتابه العظيم، بأسلوبه الفريد «وحي القلم» عندما تناول العيد، واستغرقني تماما، فوقفت مشدوها أمام أوصافه لهذا اليوم، وتصويره لواقع الحياة في هذا اليوم، وكأنه يرسم لوحة فنية بديعة بريشة حانية، تنثر الحب والسعادة والسرور بين الناس، وسأفسح له المساحة هنا لنعيد نشر ما كتب وابهج، والتعريف بهذا التراث الإنساني والأدبي الرائع.
فتحت عنوان «اجتلاء العيد» قال الرافعي في مقطوعة أدبية تشبه مقطوعة موسيقية هادئة، تأخذ بلبائب الاسماع والقلوب:
جاء يوم العيد، يوم الخروج من الزمن إلى زمن وحده لا يستمر أكثر من يوم.
زمن قصير ظريف ضاحك، تفرضه الأديان على الناس؛ ليكون لهم بين الحين والحين يوم طبيعي في هذه الحياة التي انتقلت عن طبيعتها.
يوم السلام، والبشر، والضحك، والوفاء، والإخاء، وقول الإنسان للإنسان: وأنتم بخير.
يوم الثياب الجديدة على الكل؛ إشعارًا لهم بأن الوجه الإنساني جديد في هذا اليوم.
يوم الزينة التي لا يراد منها إلا إظهار أثرها على النفس ليكون الناس جميعًا في يوم حب.
يوم العيد؛ يوم تقديم الحلوى إلى كل فم لتحلو الكلمات فيه.
يوم تعم فيه الناس ألفاظ الدعاء والتهنئة مرتفعة بقوة إلهية فوق منازعات الحياة.
ذلك اليوم الذي ينظر فيه الإنسان إلى نفسه نظرة تلمح السعادة، وإلى أهله نظرة تبصر الإعزاز، وإلى داره نظرة تدرك الجمال، وإلى الناس نظرة ترى الصداقة.
ومن كل هذه النظرات تستوي له النظرة الجميلة إلى الحياة والعالم؛ فتبتهج نفسه بالعالم والحياة.
وفي موضع آخر رفع مصطفى صادق الرافعي من همم الناس وشد أزرهم، ويحثهم بكلمات بليغة وقوية على الاحتفال بالعيد فيقول رحمه الله تعالى:
فالعيدُ صوتُ القوةِ يَهتِفُ بالأُمَّة: أخرِجي يومَ أفراحِك، أخرِجي يومًا كأيّامِ النصر!
ليس العيدُ إلا إشعارَ هذه الأُمَّةَ بأنَّ فيها قوةَ تغييرِ الأيام، لا إشعارَها بأنَّ الأيامَ تتغيَّر؛ وليس العيدُ للأُمَّةِ إلا يومًا تَعرِضُ فيه جمالَ نظامِها الاجتماعيّ، فيكونُ يومَ الشعورِ الواحدِ في نفوسِ الجميع، والكلمةِ الواحدةِ في ألسِنَةِ الجميع؛ يومَ الشعورِ بالقُدرةِ على تغييرِ الأيامِ، لا القُدرةِ على تغييرِ الثِّياب.. كأنَّما العيدُ هو استراحةُ الأسلحةِ يومًا في شعبِها الحربيّ.
وليس العيدُ إلا إبرازَ الكُتلةِ الاجتماعيّةِ للأُمَّةِ مُتميِّزةً بطابعِها الشعبيّ، مفصولةً من الأجانب، لابسةً من عملِ أيديها، مُعلِنةً بعيدِها استقلالَينِ في وجودِها وصناعتِها، ظاهرةً بقوَّتَينِ في إيمانِها وطبيعتِها، مُبتهِجةً بفرحَينِ في دُورِها وأسواقِها؛ فكأنَّ العيدَ يومٌ يفرحُ الشعبُ كلُّه بخصائصِه.
وليس العيدُ إلا التقاءَ الكِبارِ والصِّغارِ في معنى الفرحِ بالحياةِ الناجحةِ المُتقدِّمةِ في طريقِها، وتَرْكَ الصِّغارِ يُلقون درسَهم الطبيعيَّ في حماسةِ الفرحِ والبَهجة، ويُعلِّمون كِبارَهم كيف تُوضَعُ المعاني في بعضِ الألفاظِ التي فَرغتْ عندهُم من معانيها، ويُبَصِّرونهم كيف ينبغي أن تعملَ الصفاتُ الإنسانيةُ في الجُموعِ عملَ الحليفِ لحليفِه، لا عملَ المُنابِذِ لمُنابِذِه؛ فالعيدُ يومُ تَسلُّطِ العُنصرِ الحيِّ على نفسيَّةِ الشعب.
كل عام وأنتم بكل الخير والسعادة والأمل
عيدكم مبارك
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
In -t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر ولينكدإن لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية