نعيش جميعا نحن المسلمون حالة من الوجد، والانتعاش الروحي والقلبي، كيف لا ونحن في أفضل أيام العام إن لم تكن أفضل أيام العمر، فشهر رمضان كلنا يأمل ويدعوا راجيا الله أن يعيده علينا أعواما عديدة وأزمنة مديدة، ويحاول كل منا أن يخرج من هذا الشهر وقد نال منه قدر ما يستطيع.
وحقيقة هذا الشهر الفضيل كلنا نخرج منه وقد فزنا فوزا عظيما حتى ولو بالحد الأدنى وهو الإبتعاد عن المعاصي والتزام أداء الفرائض، ومعها التراويح، وقراءة القرآن الكريم، فضلا عن الأجواء العامة التى تغلف البلاد والعباد، فأينما وليت وجهك او استرقت السمع لا تسمع الا قرآنا يتلى او ذكرا يتردد، حتى صلاة وسلاما على سيد المرسلين صل الله عليه وسلم يملأ الآراء والأكوان.
ويزداد الأمر بهاء وجمالا هذه الأيام المشهودة المباركة، فالعشر الأواخر من رمضان يبلغ فيها الشعور مبلغه وتجد الروح فيه اكثر صفاء ونقاء، والقلب اكثر تعلقت بالمسجد والمصحف، وتجد المسلم اكثر تحلما، ورحمة وعطاء، وهذا هو من الأمور الطبيعية في رمضان، الذي جمع الله فيه خير وفضل السنة كلها، لما فيه من مزية لا تتوفر لغيره من الشهور.
وكذا خير الشهر كله في العشر الأواخر منه، التى ترقى فيه الروح الي درجة لا يعادلها درجة من النقاء والصفاء، ثم يزداد التخصيص اكثر واكثر لمزيد من الاجتهاد والإكثار من الأعمال الصالحة، والارتباط بالله تعالى، كل ذلك بهدف الوصول الي الليلة المرجوة.
وقد أخفى الله عن الأمة موعدها حتى يرتبط الجميع بها وهو من رحمة الله بعباده فلو اعلمهم إياها، وفاتت أي مسلم سر خسرانا مبينا وهذا الاخفاء ما هو إلا رحمة بعباده، حتى نجتهد، وهو في حد ذاته عبادة لو صادفت قبولا لكنا من الفائزين حتى لو لم يكتب لك مصادفة ليلة القدر التى فضلها يفوق أي فضل، وعظمتها تتجاوز أي عمل آخر، فقد اختصها الله بذلك، ولا يمكن أن يمر علينا رمضان تلو رمضان حتى آخر العمر ولا يصادفها مسلم قام على أمر ربه كما أراد له الله تعالى.
ولذا فقد أوصى العلماء بمجموعة من الأعمال البسيطة التى هي عند الله عظيمة القدر والقيمة.
ومن هذه الأعمال الموصى بها الاجتهاد والدعاء والاعتكاف، ورد المظالم إلى اصحابها، فمن كانت في رقبته مظلمة فلن يوفق ابدا لمصادفتها لأنه قد وضع بينه وبينها حجابا، ويغفر الله السفاسف.
ولابد من التركيز على إخلاص النية لله تعالى، والابتعاد عن الرياء، فقد قال الله في حديثه القدسي، من عمل عملا أشرك فيه غيري تركته وشركه، والإخلاص سر من أسراري اودعه قلب من احب، وكلنا يرجوا الإخلاص لله تعالى في كل أموره، وكذا الدعاء وهو من أهم العبادات في هذه الأيام المباركة.
وكما قال قائل إذا كان دعاء ليلة القدر مقبولا مسموعا مستجابا فعلى العبد أن يكثر من الدعاء والتضرع وسؤال خيري الدنيا والآخرة، وقد سألت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها رسول الله صل الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، أرأيتَ إن وافقتُ ليلة القدر، ما أقول فيها؟ قال: (قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني) رواه أحمد وغيره.
اللهم بلغنا برحمتك رضاك، وبلغنا ليلة القدر، واجعلنا فيها من عتقائك من النار، اللهم آمين.
خير الكلام: (حمٓ وَٱلۡكِتَٰبِ ٱلۡمُبِينِ إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةٖ مُّبَٰرَكَةٍۚ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ فِيهَا يُفۡرَقُ كُلُّ أَمۡرٍ حَكِيمٍ أَمۡرٗا مِّنۡ عِندِنَآۚ إِنَّا كُنَّا مُرۡسِلِينَ رَحۡمَةٗ مِّن رَّبِّكَۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ) (1-6) سورة الدخان.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
In -t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر ولينكدإن لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية