اخترنا لكدنيا ودين

قطوف رمضانية.. رضا هلال يكتب: رحلتي إلى الروضة الشريفة (1-2) 

استيقظت مبكرا، وتطهرت، وتطيبت بما هو متاح استعدادا للقاء رسول الله صل الله عليه وسلم في بيته، وأصبحت على بعد ساعتين تقريبا من هذا المرتقب، فأنا ومنذ فترة استعد نفسيا وذهنيا وقلبيا وايمانيا، لهذا اللقاء باشتياق وحماس كبيرين. 

وصلت إلى الحرم النبوي الشريف متجها إلى الناحية التي بها مدخل الروضة، وكنت أحمل حقيبة امتعتي، فأشار علي رجل الأمن للحرم. بأنه غير مسموح باصطحاب أي أمتعة وأنت ذاهب لبيت رسول الله صل الله عليه وسلم. 

وأشار علي بوضعها في مكان ما، هو أكثر عرضة للفقد منها للحفاظ عليها، لم أأبه كثيرا للأمتعة، فما أنا بصدده أعظم من كل أمتعة الدنيا، وغلبني شوقي إلى الروضة الشريفة من حرصي على أي شيء آخر وماذا ستغنيني هذه الأمتعة؟ إذا عطلتني عن لقاء الحبيب، خصوصا، وأنني أريد أن أبوح له بالكثير من الهموم وأبث إليه شكواي، العمومية والخصوصية، للأمة كلها ولوطني مصر، والظلم الذي يسود فيه، وكذا ما يعتمل في صدري ممن هم مني، وأشياء شخصية كثيرة، كل ذلك وأكثر، كنت أنتوي محادثة رسول الله صل الله عليه وسلم فيه وعنه، مستغلا أنني معه في بيته، وإنني كنت محظوظا في وقت من الأوقات، ومن الله على بفضله وكرمه ووفقني الله لقراءة المصحف كاملا مكملا في الروضة الشريفة، وكان ذلك أيام النقاء وسلامة الصدر، وعدم الانشغال بما لا يستحق الانشغال به. 

أما وقد تبدل الحال وأصبحت في وضع يتطلب وبإلحاح شديد، المراجعة، للذات قبل أي شيء آخر، ومراجعة التراجع عن الأخطاء والتوبة عن الخطايا، ومراجعة علاقتي بالبشر، وخصوصا من كنا نعتقد أنهم أقرب الناس إلينا، فإذا بهم أبعد الناس عنا روحا، يغلفهم النفاق الذي هو سمتهم وطبعهم، والخيانة وطمع الدنيا الذي سيطر عليهم. 

هذا وغيره الكثير مما كنت اعتزم الحديث مع الرسول صل الله عليه وسلم عنه في هذا اللقاء. 

وعند المدخل تجمعنا بأجساد وألوان وأشكال وملابس مختلفة.  

ومن أصقاع الأرض قاطبة، منا الأسود والأصفر والأبيض، منا الطويل والقصير، والنحيل والسمين، الصغير والكبير، السليم والمريض، من يمشي على قدميه، والمحمولون على كراسي متحركة، ورغم كل هذه الاختلافات الشكلية، إلا أن القلوب متوحدة ومتحدة على هدف واحد، ونحو اتجاه واحد هو رسول الله صل الله عليه وسلم الذي ملأ حبه تلك القلوب المتلهفة لزيارته في بيته – الروضة الشريفة-  والأنس به، فكلنا عطشى ظمآى، نريد أن نرتوى في الروض المتدفق عذوبة ونورا. 

ومرت الدقائق كأنها دهرا وبدأوا فحص الهواتف لعمل «سكان للبار كود» مسح العلامة الإلكترونية، وهذه المنطقة امتلأت بمشاعر متناقضة غلفت المكان كله، فالناس بين فريقين، سعيد فرح، كالأطفال عندما يشير إليه رجل الأمن بعبور الحاجز للدخول إلى المنطقة التالية، بعدما تم تجاوز المرحلة الأولى، وفي المقابل كل الحزن، والغضب ممن لم يحن دورهم بعد، أو أن التسجيل الخاص بهم لم يتم. 

  ولقد وجدت حب رسول الله مسيطرا على القلوب قبل العقول، فالذين حالفهم الحظ مستبشرون فرحون، امتلأ وجههم بالنور والبشر والسعادة، وعلى العكس فقد امتقع وجه من لم يحالفه الحظ بعد وبدأ عليه الحزن كأنه فقد أعز ما لديه. 

ثم تجاوزت النقطة الأولى ظنا مني أني في طريقي للروضة، فإذا بنقطة تجمع أخرى، كأنها نقط تفتش عسكرية، من غير مبرر لكل ذلك ولكنها جميعا من باب الحصار المفروض.. لا أدري هل هو حصار علينا نحن زائري الرسول صل الله عليه وسلم؟، أم أنه على الرسول نفسه!!!، وفي كل الأحوال فقد أصابتني هذه «الفوبيا» المتلازمة المخيفة من الحصار، حتى أصبحنا بين حصارات متعددة، من كل اتجاه في وطني وأهل غزة، وغيرنا على امتداد وطننا الكبير، وكأن مقاول الحصار في وطننا وامتنا هو هو، لم يتغير. 

فلله الأمر من قبل ومن بعد. 

خير الكلام: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا (57) الأحزاب. 

redahelal@gmail.com  

للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا 

 

   In -t –  F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر  ولينكدإن لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية 

أخبار ذات صلة

Back to top button