في اليوم التالي للزيارة الأولى عزمت أن أكرر الزيارة لسببين، الأول هو أن أزور الرسول صل الله عليه وسلم وصاحبيه رضي الله تعالى عنهما في وقت يخف فيه الزحام الشديد الذي عانيت منه في المرة الأول، وكذا شوقا لرسول الله صل الله عليه وسلم، أما ثاني الأسباب فهو حتى أرتب لزيارة الروضة الشريفة التي لي معها موعدا رسميا في نفس ذات اليوم، وحتى أعرف كيفية الدخول والإجراءات المتبعة؟
المهم.. وجدت زيارة الرسول والسلام عليه هذه المرة سهلا ميسرا جدا وكأنه كان يناديني، ولا أخفي عليكم، فقد شعرت بالحب والغبطة.. فمن فرط السهولة وصلت للبيت وإلى مقابل الروضة وقد أزيلت 90% من الحواجز.
وقد كانت فرصة مواتية للسلام بهدوء وتوصيل الأمانات من زوجتي تغريد، وغيرها من الأهل والأصدقاء إلى رؤوف الأمة، ورحيمها، وقد كان.. فقد نجحت إلى حد كبير، وساد بين كل الزائرين شعور مماثل، فكانت الزيارة رائعة وعندها شعرت فعلا بالزيارة لم يعكر صفوها سوي التصوير الهاتفي، والبث الحي، بكل لغات العالم حتى وضحت من خلالها أصوات الأطراف الأخرى، من الزوار.
وكان من بينها هنادي وسويلم وحسن بالطبع، رغم قلتهم، أما الأعاجم فحدث ولا حرج، والذين يتعاملون مع رسول الله كأنه رسولهم هم فقط وأنكم يا عرب كفي عليكم ما نلتم من حظ منه ولم تقدروه حق قدره، شغفهم وحبهم ومدافعتهم للوصول لأقصى نقطة للاقتراب من رسول الله صل الله عليه وسلم يجعلك تقف مشدوها.. وأعتقد أن هذا هو الحب الذي يحبه رسول الله صل الله عليه وسلم (حتى أكون أحب إليه من نفسه وماله وولده) وهذا متمثل في هؤلاء الأعاجم، الصادقين في حبهم له المستعدون للتضحية من أجله.
وقلت في نفسي ماذا لو وجد هؤلاء المسلمون قادة حقيقيون يقدرون الإسلام حق قدره، ويلتزمون به عقيدة ومنهاجا، ماذا لو كان لديهم ولدينا حكام يعرفون أن الإسلام هو الدين الحق الذي فيه عزهم ونصرتهم؟ وازعم وليس مفتئتا أن هذه القوة الجبارة قد تعمدت القوى المعادية للأمة الإسلامية الا يصلهم الإسلام الصحيح، وألا يحكمهم حاكم مسلم حقيقي عادل حتى لا تنقلب الدنيا على رؤوسهم.
فلو حصل وحكم المسلمون حكم رشيد لتغيرت الخريطة وتبدلت المواقع والأوضاع تماما عن واقعنا الحاضر المؤلم الذي يرثى له.
وهذا الحب البادي منهم مع احترام وتقديس لا مثيل له يجعل النظام الأمني في الحرم يتعامل بقوة قد تصل إلى الغلظة معهم، ورغم ذلك فهم لا يهبأون ولا يعبأون حتى يحققوا إلى حد ما مرادهم.
وبعد السلام على رسول الله صل الله عليه وسلم وصاحبيه الكرام، وجدت نفسي بشكل طبيعي خارجا من باب البقيع، الذي يقودني إلى منطقة دخول الروضة الشريفة، فذهبت وسألت وعرفت المكان، وتلقيت التعليمات، وكلها بكلمات مقتضبة لا تفي بالغرض ولا تشفي غليلا ولا تشبع نهما، فرضيت بما قسم الله، بنذر التعليمات التي ألقاها لي رجل الأمن على عجل حتى يرد على غيري، غير مقدر لحجم الحماسة والشغف الكبيرين اللذين يملأن قلبي وعقلي، ولا حتى رغبتي الملحة في زيارة الروضة.
المهم مضيت إلى حال سبيل وذهبت مقر إقامتي لآخذ قسطا من الراحة، وحتى استعد جيدا للزيارة المرتقبة.. وهي زيارة من نوع خاص لها أهميتها وقيمتها الروحية عند المسلم، خصوصا ذلك المسلم الذي يعي أنه قد يقعد أو يمشي أو يلامس مكانا قد قعد أو مشى فيه الرسول صل الله عليه وسلم أو أهل بيته الكرام.
وغدا نكمل الرحلة.
خير الكلام: تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ ۚ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا (44) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا (46) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا (47) الأحزاب.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
In -t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر ولينكدإن لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية