بعد أن انتهيت من صلاة العشاء والتراويح وبعد استراحة خفيفة، هممت للوصول إلى هدفي ومقصدي، وهو التشرف بالسلام على رسول الله صل الله عليه وسلم وصاحبيه، ونظرا للتغيرات الكثيرة التى شهدتها منطقة الحرم المدني، وكذا الحرم نفسه، وموقعي في المسجد ليس كالمرات السابقة.
فسألت المرشدين الموجودين، وتوسمت في أحدهم خيرا، واقتربت منه بلطف، سائلا إياه عن الطريق إلى باب السلام على رسول الله، وياليتني ما سألته، فقد فاجئني بأن السلام على رسولي محمد بن عبدالله يحتاج إلى موعد وحجز من على تطبيق «نسك»، فحاولت التفاهم معه، إلا أنه أصر على رأيه، فلم استسلم، فأحالني إلى غيره لما لمس مني من امتعاض، ومشيت إلى باب آخر يقف عليه زميل له، وهذه المرة سألته عن مقصدي.
فأشار على أن أسير هكذا، وأمر من أمام كذا، وأعبر حاجز خط بارليف الحصين، وأخترق الأسلاك الشائكة، ثم ستجد باب السلام رقم 1 فتدخل لتسلم، وعندما بدأت آخذ طريقي هذه المرة كما وصف لي وجدت أمما من الناس يمشون، لنفس مقصدي فسعيت معهم، واجتزت الحواجز الحديدية والبلاستيكية الصلبة التي تصلح كحواجز للسيارات لا للبشر، ورغم أن الطريق إلى الباب سهل وقصير ولكن كيف؟! انهم يريدون لك حسنات أكثر، وجهاد اشق، وبفضل الله وصلت إلى باب السلام، وكل شيء يهون في سبيل الوصول للسلام.
دلفت من الباب وسط زحام وتزاحم والكل معذور، نحن جميعا باتجاه لقاء أعظم من وطأت قدماه الأرض والسماء، – صل الله عليه وسلم- والكل لديه نفس الحماس الذي لدي، وربما أكثر، وبعد أمتار قليلة وجدت حواجز أخرى، ذكرتني بحواجز نقابة الصحفيين المصرية في عهدها الغابر، وتغيير مسار المرور، ربما لأشغال او توضيبات، او لأهداف أخرى لأ أدرى، ولكنني في الحقيقة لم أجد لها مبررا بتاتا، ودار بخلدي وقتها انها تشبه أسوار وجدران حصار غزة، وأن المقاول واحد في الحالتين، ثم أمتار قليلة واصبح المسار مسارين، واحد لأمثالي، من العامة الذين جاءوا للسلام علي حبيبهم، وآخر لمن حجز الصلاة في الروضة الشريفة عبر ذلك التطبيق سيء السمعة.. المسمي «نسك».. سامح الله من اخترعه إن كان حسن النية، أو حسابه عند ربه يتولى أمره بما يليق به.
واصلت المسير وسط هذا التزاحم فبدت لي لوحة خضراء كتب عليها الصلاة علي رسول الله، إلى هنا كل الأمور تسير على ما يرام، وفوجئت بأن الجميع رافعا يديه بالهاتف وتصوير سلامه علي رسول للتوثيق، منهم من يسلم الي رسول الله بنفسه، او يسلم باسم زوجته، وانا لست بدعا من المسلمين، فقد أمرت بذلك وسأفعل، ومنهم من يبث السلام على الهواء مباشرة لمن يحب او علي صفحات وسائل التواصل الاجتماعي، لتوثيق هذه اللحظات العظيمة.
وكان من فضل الله على في أول سلام لي على الرسول في أول يوم وصول، إن هاتفي قد نفذت بطاريته فصمت، فحمدت الله على هذه النعمة حتى أتفرغ لزيارة الرسول، وأكون مؤدبا معه، وملتزما بقواعد آداب الضيف عند مضيفه، حيث إنني لم أجد أي معنى لهذا التصوير والنقل إلا أنه سوء أدب مع رسول الله صل الله عليه وسلم قبل أن يكون اي شيء آخر، وحقيقة لم استوضح سلامات البشر لأنني انشغلت بالسلام على حبيبي والذي ارجو ان يكون شفيعي يوم القيامة، وأن اكون من اقرب الناس منه مجلسا في الجنة، وصليت وسلمت عليه كثيرا … مذ دخلت من باب السلام، فقد تملكتني حالة الصلاة والسلام عليه بصوت مرتفع لما وجدت الناس قد انشغلوا بالتصوير.
وأمامه صل الله عليه وسلم مباشرة أبطأت السير واصبحت اتحرك بالدفع غير الذاتي من الكتل البشرية، ولم أشعر بشيء سوى رغبتي بالالحاح في الصلاة والسلام وتوصيل التحية والسلام من كل من حملني أمانة السلام بالإسم وخصوصا زوجتي الدكتورة تغريد سليم، وغيرها من الأهل والأصدقاء، ووقف الناس هنا قليلا للسلام، فتعامل معهم رجال النظام بعنف لم اعهده في رجال أمن الحرم النبوي، ولم أحبه، إلا أن الناس لم تأبه له كثيرا، مما اضطره للتعامل بفظاظة لا تليق بالمكان.
ووجدت نفسي هنا اشكو الي رسول الله صل الله عليه وسلم حالة الضعف والهوان والذل الذي نعانيه وتسلط حكامنا علينا، وأننا أصبحنا غثاء كغثاء السيل، طمعت فينا كل الأمم والدول والجماعات والأفراد، وكل من هب ودب من الشرق والغرب ومن الشمال إلى الجنوب ومن هنا وهناك.
وقفز إلى رأسي فورا ذالك التوصيف عن سبب مانحن فيه.. بأن حب الدنيا وكراهة الموت، هما كما قال الرسول صل الله عليه وسلم السبب في هذا الانحدار السحيق الي ذيل الأمم، أما عن المخرج والعلاج فهو في قول الله تعالي في سورة محمد او سورة ( القتال) كما يسمها بعض العلماء (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7).
ثم وجدت نفسي أمام صاحبي رسول الله أبو بكر الصديق الذي يملأ حبه قلبي، ويمتلك كياني، وكذا الفاروق عمر الذي ما أحوج الأمة حاليا الي مثيله لانتشالها من قاع الأمم، وسلمت عليهما، وبالدفع غير الذاتي أيضا وجدت نفسي خارج المسجد، في ختام زيارة كان يفترض ان تستغرق بضع دقائق، فإذا بها تنتهى قبل منتصف الليل بنصف الساعة، علما بأن صلاة التراويح كانت قد انتهت في العاشرة وعشر دقائق.
ورغم كل ذلك فهي من أمتع اللحظات، التي يعيشها المسلم، وخصوصا ذلك المسلم المحظوظ الذي كتبت له مثل هذه الزيارة.
وسأعاود الزيارة مجددا عن طريقين، مرة مثل سابقتها والأخرى مع حجز تطبيق «نسك» لأكون في ذلك الجانب حتى أجربه بعد قضاء وقتي المحدد لي في روضة رسول الله التى هي قطعة من الجنة جعلنا الله وإياكم من ساكنيها، ولنا معها حوار آخر إن أمد الله في عمرنا.
خير الكلام: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56) الأحزاب.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
In -t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر ولينكدإن لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية