وصلت مدينة رسول الله صل الله عليه وسلم بعد ان مررنا علي مسجد قباء وهو أول مسجد بناه الرسول بعد الهجرة، ومسجد قباء له مكانة خاصة في الإسلام، فمن توضأ وقصده وصلى فيه فرضا او نفلا كان كمن أدى عمرة كما قال رسول الله صل الله عليه وسلم: من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء فصلى فيه ركعتين كان كعمرة.
وبعد أن صلينا الظهر والعصر جمعا وقصرا، أراد قائد الرحلة أن يكمل المسير إلى جبل أحد، وبما أنني كنت أكثر شوقا لزيارة رسول الله صل الله عليه وسلم، وعندما قام باستطلاع الآراء كان القول الحاسم مني ومن جموع الناس الا قليلا، هو إلى مدينة رسول الله صل الله عليه وسلم، وصلنا الفندق حيث المسافة بين مسجد قباء ومسجد الرسول صل الله عليه وسلم بضعة كيلو مترات.
وعندما وصلنا الي مقر الإقامة أعلم من خبرات سابقة، مشاحنات ستدور حول تقسيم الغرف بما سيضيع الوقت، وهذا ليس هدفي بتاتا – انا هنا اعلم هدفي ومقصدي- فتحدثت إلى قائد الرحلة وألقيت إليه امتعتي البسيطة، وقلت له اختر لي ما تشاء وليس عندي أي اعتراض، فما هي إلا مجرد موطأ لجنب يسترح قليلا ليواصل لقاءه بحبيبه، هنا تتلاشى قيمة هذه الأمور كلها، وتتضاءل، ولا مفاضلة بين الثرى والثريا، تركتهم يرتبون أمورهم وذهبت إلى مسجد رسول الله صل الله عليه وسلم، لأجد نفسي في الجهة المقابلة وإنني في الناحية الثانية من المسجد، وإدراكا لصلاة العصر التي كان قد حان وقتها رضيت بالقعود حيث أراد الله لي.
أنا الآن في ضيافة رسول الله -صل الله عليه وسلم- حيث الهدوء والراحة النفسية والسكينة، والاطمئنان… امكث هنا ساعات وساعات دون ملل أو ضجر، ففي مسجد الرسول صل الله عليه وسلم لا يضجر ابدأ، كل شيء هنا داخل المسجد جميل ورائع ويبعث على السعادة الروحية، قبل المادية، فأنت في المسجد أن شئت تعبدت، والعبادات هنا كثيرة – صلاة، وقراءة القرآن الكريم، وحتى الذكر-، بألفاظه وعباراته المعروفة او حتى تلك التى يلهمك الله إياها وهي افضل انواع الذكر، وكذلك عبادة التدبر والتفكر في كل شيء خلقه الله أيا كان.
والمدهش انك هنا داخل الحرم النبوي ستجد كل الناس تقريبا يتمتعون بسماحة، انطبعت عليهم من طبيعة المكان، وكيف لا وهذا المكان يحوى الجسد الطاهر والروح السمحة، والخلق العظيم سيد الأولين والآخرين، ولذا لا تجد مشكلة قط، فالكل مشغول بالعبادة، ما بين قائم وراكع وساجد، وقارئ للقرآن وبينهما من يسترح قليلا ليستطيع المواصلة، وأن طالت الاستراحة او تعمقت، تتفاجأ بشاب لطيف يرتدي ثيابا خاصة يمر بلطف بين الناس لينبه المضطجع مناديا إياه «يا زائر» رابتا عليه بحنان كحنان أم توقظ وليدها للأكل أو للشرب.
أنت هنا داخل هذا المسجد المبارك الذي فيه الصلاة بالف صلاة، وقس على ذلك عباداتك كلها، لا تجد إلا كل خير من الكلام والأفعال، وأن رزقك الله بجار من كبار السن، ووجدك لطيفا معه، فهنا قد فتحت لك أبواب السماء بدعائه لك ولوالديك وعائلتك وأهلك .. كل اللطف والرضا والحنان من هؤلاء النوعية من البشر، ويتحدث إليك بلطف، إما ناصحا أو مذكرا أو ملاطفا أن طال زمن الجيرة، وغالبا ما تطول خصوصا وأننا جئنا جميعا لهدف واحد وهو أن نكون في ضيافة الرسول صل الله عليه وسلم.
فصليت وقرأت القرآن الكريم ومكثت، حتى أذن للمغرب فافطرت – تمرات وماء ولقيمة وزبادي- وهي ضيافة من الحرم وبعد تناول الفطور الخفيف علي عجل، صلينا المغرب، والصلوات هنا خفيفة، وهنا كان دور ذلك الجار التقي الذي أظنه قد جاوز السبعين، يصلي علي كرسيه وهو من رواد الحرم وعمار المكان، فالكل يعرفه ويسلم عليه بحرارة ويوده ويجله ويحترمه.
فضلت البقاء بجواره، فنالني من دعاءه الكثير، ثم جاءت العشاء فقمنا للصلاة، واستغرقنا فيها وقتنا خلف إمامين بقراءة قرآنية خاشعة، أعجبني فيها تركيزهما على قراءة آيات الغزو والقتال ونصرة المؤمنين، والجهاد في سبيل الله، فحدثت نفسي بدعاء يلهب الحماسة ويرقق القلوب، ويدعم اخواننا المجاهدين في غزة العزة الأبية، معنويا ونفسيا ليعلموا أن هناك من هو معهم بقلبه وهو أضعف الإيمان، إلا أن ذلك لم يحدث، فتيقنت من قوة سلطان التعليمات والتحذيرات ومنع الشعارات الا الدعاء لولي الأمر وولي عهده الموصوف بالأمين، كيف لا ادرى؟!!
ولكنه دعاء لا يجاوز حنجرة داعيه وقلة ممن يؤمنون عليه، فهذه الملايين المجتمعية عند رسول الله لم يسمعوا كلمة تشف صدور قوم مؤمنين نصرة للمجاهدين في غزة المحاصرة، فاكتفينا بما قرأ الشيخين من سورتي الأعراف والأنفال، ولحسن الظن فقط اعتبرت الشيخين قد ناضلا بما هو متاح لهما.
ثم أردت بعد انتهاء الصلاة ان أصل الي هدفي ومقصدي، وهو السلام على رسول الله صل الله عليه وسلم وصاحبيه «أبو بكر الصديق والفاروق عمر بن الخطاب» وهنا قصة أخرى أرويها لكم غدا ان شاء الله تعال إن أمد الله في عمرنا.
خير الكلام: إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ ۖ فَعَسَىٰ أُولَٰئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (18) التوبة.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
In -t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر ولينكدإن لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية