اخترنا لكدنيا ودين

قطوف رمضانية.. رضا هلال يكتب: بين المتخلفين الثلاثة عن «تبوك» والمتخلفون عن «غزة»!!

من الأيام المشهودة في تاريخ الإسلام هو يوم الثامن من رمضان في السنة التاسعة للهجرة والذي صادف يوم غزوة تبوك التى تشهد قصة من أعجب القصص واشهرها في الإسلام، والتى تعطينا الأمل فيمن تخلف عن الركب في الرحلة الأولى، وإمكانية لحاقه بالرحلات المتتالية وهي قصة الثلاثة الذين تخلفوا عنها. 

منذ حوالي 160 يوما وتشهد غزة الجريحة حربا من نوع جديد لم تشهدها البشرية من قبل، ليس في نوع الأسلحة فحسب بل في حجم تخاذل المسلمين وتخلفهم عن نصرتها، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل وجدنا من دول إسلامية دعما مباشرا وغير مباشر للعدو الصهيوني لإبادة المجاهدين في غزة، وأخرى تحرض عليهم وتمد العدو الصهيوني بالمؤن والسلاح، في الوقت الذي يحاصر أهلنا في غزة من قبل الجيران ويساهمون في مضاعفة ازمتهم وازدياد بؤسهم ومعاناتهم. 

وكذلك كان المسلمون في السنة التاسعة للهجرة يعانون من مثل ما يحدث لغزة الآن، فقد بلغ النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الروم تتجمع لحربه، ولتهديد دولته، يريدون مبادرته بالحرب قبل أن يبادرهم، فعند ذلك أعلن النبي -صل الله عليه وسلم- لأول مرة عن مقصده وعن تجهيز الجيش، فتجهز أقوام، وأبطأ آخرون وتخلف ثلاثة من الصحابة هم كعب بن مالك، ومرارة بن ربيع وهلال ابن أبي أمية، من غير عذر شرعي ولا نفاق. 

تخلف الثلاثة عن الغزو الذي كان في زمان الحر والشدة، ولكن رغم فداحة الذنب وعظمته تجاوز الله عنهم وغفر لهم صنيعهم ، لأنهم كانوا صادقين مع أنفسهم ومع الرسول الكريم صل الله عليه وسلم، لم يخادعوه ولم يأتوا بأعذار كاذبة، بل صدقوا واعترفوا بتخلفهم، ولجؤوا إلى الله تائبين مستغفرين فتاب الله عليهم. 

أما وقد تخلف حكامنا المغاوير، وشعوبنا الخانعة، وجيوشنا المتخاذلة، عن نصرة المظلوم وردع الظالم فلذا وجب علينا أن نذكرهم أن باب الرجوع الي جادة الصواب مفتوحا، وما زالت الفرص سانحة لهم، وما «تبوك» إلا شاهدا حيا على إمكانية حدوث ذلك. 

فقد جاء ثلاثتهم للرسول في المسجد معتذرين بصدق غير مدلسين ولا كذابين، بل طلبوها بصدق وظلوا صادقين في موقفهم رغم العقاب الشديد لهم من مقاطعة ومنع وخلافه، حتى نزل فيهم قول الله تعالي في سورة التوبة «وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَن لَّا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ” (119)،وهكذا أزاح الله هذه الغشاوة المحزنة عنهم. 

فما أشبه غزة «طوفان الأقصى»  اليوم بتبوك، و«الروم» بالأمس صهاينة اليوم، واعطتنا هذه الغزوة دروسا وعبر نعدد بعضا كما ذكرها العلماء والمؤرخون لعلنا نستفيد ونتعلم وعلى رأس هذه الدروس إن النّفاق وإن قل أو كَثر، وإن مكر أهله، سيأتي يومٌ ويفضحهم الله -تعالى- فيه، وهذا ما حصل يوم غزوة تبوك، فقد تخلّف جميعُ المنافقين عن الجهاد في سبيل الله، ففضحهم الله ورسوله- عليه الصلاة والسلام- وأصبح الجميع يعرفهم. 

إن باب التوبة مفتوحٌ للصادقين مع الله، فقد تخلّف ثلاثةٌ من الصحابة ولم يكونوا مع المنافقين، لكنهم كانوا صادقين عندما جاءوا واعتذروا للرسول فتاب الله عليهم،  

إن الجهاد بالمال مطلوبٌ أيضًا كما الجهاد بالنفس، فهو ذو أهمّية عظيمة، فالمال هو الذي يهيئ الجيوش، فبه يتم شراء المعّدات والملابس والأسلحة الحربية، فأهمّيته قد توازي أحيانًا الجهاد بالنفس، لأنه هو الذي يعين على ذلك، وقد ضرب الصحابة أروع الأمثلة في الجهاد بالمال وبالنفس أيضا. 

أنه لا بد من إجابة منادي الجهاد، ولا يمكن التخلّي عن الجهاد إلا بعذرٍ شرعي، فالجهاد هو الذي يحفظ للأمة عزتها ومكانتها، ويحفظ للدولة مواطنيها ومصالحها وسيادتها. 

فهل يعى المسلمون والعرب الدرس؟ ام أن ما يرونه غير كاف؟ فماذا ننتظر؟! 

خير الكلام: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُولَٰئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (17) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ ۚ أُولَٰئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (18) النساء. 

  redahelal@gmail.com  

للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا 

 

  In -t –  F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر  ولينكدإن لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية 

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى