رمضان هو شهر القرآن الكريم وهو شهر يتم فيه حبس الشياطين وتقييدهم حيث تسود الحالة الروحانية لمن يعيش الخير كـ«فطرة» تتحرك في داخل ذاته بعيدا عن وسوسات إبليس وأبنائه الملاعين، وهناك من تمكن الشر من ذاته وأصبح الشر جزءا أساسي منها بل إنهم يتحركون في موقع الاستاذية لإبليس وعشيرته، فهؤلاء اشرار لأنهم أشرار ومصيرهم جهنم وبئس المصير.
هؤلاء الأشرار في الذات و الموقف و الذهنية يتحركون ضد كل ما هو عربي حيث يتعرض العرب في فلسطين الى حرب إبادة جماعية و تجويع و منع من الطبابة و حتى محاصرتهم من أداء الشعائر الدينية للمسلمين من صيام و صلاة مع دخول شهر رمضان المبارك زمنيا وهذا كله يشاهده الحلف الطاغوتي الربوي العالمي و يوافق عليه و يؤيده و يصمت انتظارا لإكمال التصفية العنصرية الى نهاياتها ضد مئات الاف من العائلات العربية الفلسطينية المحاصرة من كل اتجاه، وسط غياب النظام الرسمي العربي والنظام الرسمي الإسلامي عن أي ردة فعل عسكري احتجاجي او اقتصادي او مالي او مقاطعة دبلوماسية او احتجاج قانوني «حركي».
كما قامت به دولة جنوب أفريقيا أو نيكاراغوا ومن الواضح أن استمرار عملية الانتقام الصهيوني من انتصار العرب الفلسطينيين في معركة طوفان الأقصى قد وضعت النظام الرسمي العربي و النظام الرسمي الإسلامي في الزاوية حيث إحراج اللحظة الزمنية الحالية فضح فقدان الاستقلال وغياب القرار الذاتي المصلحي عندهم لحد الشلل وليس هذا فقط فأن الصمود العربي الفلسطيني العسكري واستمرار المعركة زمنيا سوف يصنع مستقبلا «لحظة» العار التاريخي التوثيقي التي لن ترحم أحد حيث «لا» معتقلات تعذيب تخيف التاريخ لكي يصمت أو اعتقالات أو أجهزة بوليس سري ستجعل التاريخ «ساكت» لا يقول الحقيقة.
وكما قلنا سابقا أن «لحظة إحراج» وانكشاف سابقة في الهزيمة العربية في العام 1948 قد خلقت حالة «انقلاب» قادمة لاحقة لما بعد الهزيمة، حيث فقد المهزومين رافعتهم المعرفية للبقاء في الحكم و السلطة، فتم الانقلاب السلطوي أيا كان نوعه ضمن رافعات معرفية جديدة نادت في تحرير الأرض والثأر وإعادة الدور العربي و صناعة الاستقلال، طبعا ما حدث من مألات و تبعات هذه اللحظات الانقلابية أيضا كان لها سلبياتها واثارها وتأثيرها وتفاعلاتها إلى الهزيمة الثانية في العام 1967 ولكل هذا التاريخ جدله وتحليله وقراءته و تقييمه ولكن ما نريد التركيز عليه و التأكيد نحوه هو ان أي غياب للرافعة المعرفية لأي نظام هو بداية سقوطه و الانقلاب عليه، لذلك تأثيرات ما بعد الانتصار العربي في معركة طوفان الأقصى هو هذا التأثير بغض النظر عن مألات الانتقام الصهيوني لما بعد معركة الطوفان، فالحالة الانقلابية أصبحت على خط التغيير.
إن الطبيعة البشرية والأنظمة الحاكمة وحتى إن كانت شريرة فأنها تحتاج لـ«تبرير» أو لـ«قاعدة» معرفية لأجرامها أو سبب تقنع بها ذاتها تشرعن وتقونن إجرامها فيه! وهذا كله سقط مع ما شاهده العالم يحدث ويجري في فلسطين المحتلة حيث الأشرار أصبحوا بـ«لا» حجة أو تبرير او دعاية لأقناع أنفسهم أو الأخرين بالشر الشيطاني الذي يقومون به أو في توجيهات إبليس التي يلتزمون بها.
إن على المخلصين من العرب أن يعيشوا الوعي و البصيرة والإدراك بأن التاريخ «لا» يتحرك وحده بل ضمن عقلية تعيش الفكرة والهدف والمشروع الذي يستند على منظومة فكرية تصنع الحركة على خط التطبيق بدون ادخال التمنيات والاحلام التي «لا» تستند على حقائق الأرض و الحياة، فمن يريد الوحدة العربية «لا» يصنعها في خطابات الاثارة أو التمنيات بل ضمن قوانين خاصة علمية في صناعة الوحدة العربية و من يريد ان ينطلق ضمن حالة حضارية عليه إن «لا» يبحث عن تناقضات استحمارية بين العروبة والإسلام بل إن ينطلق من ما هو مشترك ومرتبط بينهما حيث أن العرب انطلقوا نهضويا وحضاريا عندما تحركوا عقليا و نقاشيا حول النص القرآني بدون ان يصنعوا جماعات دينية مغلقة على ذاتها و من دون ان يخافوا من الآخر، بعد ان استوعبوا النص القرآني المقدس وظلوا ينطلقون منه في واقع حياتهم الفردية و الاجتماعية و السياسية حيث أن أي نظام اقتصادي سياسي تربوي عربي انطلق من النصوص القرآني.
فكما ذكرنا كانت الرافعات المعرفية لأي نظام سياسي عربي تنطلق من النص المقدس القرآني أو تحاول الاستناد عليه، وكذلك كانت اللغة العربية هي الانطلاقة المعرفية الأخرى التي ربطت القوميات المختلفة في الواقع العربي الإسلامي، لذلك البحث عن تناقضات عروبية إسلامية هي في تصوري حالة استحمارية تبعدنا كـ «عرب» و«مسلمين» عن تناقضنا الأساسي ضد الحركة الصهيونية العالمية و الحلف الطاغوتي الربوي العالمي الذين يتحركون ضد العرب في الإبادة العنصرية الجماعية فما يحدث في دولة فلسطين العربية المحتلة في الجانب الأخضر منها هي بروفة إبادة قادمة ضد كل ما هو عربي خارج جغرافيا المنطقة العربية الفلسطينية الخضراء.
علينا كـ«عرب» أن نبتعد عما صنع الضرر فينا وهو خطابات العواطف أو الإعلام البكائي السخيف المنطلق في لسان عربي في بكائيات تستجدي الحركة الصهيونية أو الحلف الطاغوتي الربوي العالمي في إيقاف المذابح؟! وهذه القنوات الإخبارية العربية البكائية التي تعيد نشر الخطاب الصهيوني ضد الإسلام والعروبة وتروج للدعايات الصهيونية وتستقبل اعدائنا وتناقشهم وتعترف في الكيان الصهيوني بـ«إسرائيل» هؤلاء ليسوا عرب بل مستعربين متصهينين وهم جزء من العدو وأن انتقدوا العدو من هنا وهناك فهذا الإعلام الغير مهني يقدم خطاب إعلامي تنفيسي وليس خطاب إعلامي يؤسس لثقافة معرفية انقلابية ضد الواقع العربي السيء ويصنع حركة نهضوية على خط التطبيق.
إن البحث عن صحوة ضمير عميل من هنا وخائن من هناك وشرير من هنالك هي أشياء تتحرك في خط السذاجة الفكرية أو تمني مشاهدة نهايات «سعيدة» لأفلام سينمائية على أرض الواقع وهذا كله وهم وأوهام وتمنيات ليس لها مكان على أرض الحقيقة التي تعتمد على الأسباب الموضوعية والحركة ضمن أدوات القوة ضمن خطط ذات اهداف.
في حين ان الصهاينة يعيشون «مجتمع حرب» وأقاموا قاعدة عسكرية على حجم دولة فلسطين العربية المحتلة وهم يتحركون ضد العرب في منطق الإبادة الجماعية ومن يعتقد انه اذا ترك فلسطين «الخضراء» تموت وحدها، فهو سيكون في مأمن وأمان كـ«نظام رسمي» أو شعبي فعليه أن يتحسس رقبته لأن المشروع الصهيوني هو ضد كل ما هو عربي «رسمي و شعبي» وخاصة أن الصهاينة يعيشون الحرب و العسكرة ضمن كل حياتهم و أجواء عملهم ومن يعتقد انه اذا تجاهل هكذا حركة شريرة سرطانية على ارض فلسطين «الخضراء» فأنه سيكون في مأمن في مناطقه العربية الأخرى خارج فلسطين «الخضراء» فهو واهم او يعيش التخدير لأن الدور سيكون مستقبلا عليه وضده في عملية الإبادة و الغاء الوجود.
في نفس الوقت علينا أن نقول: إن المشهد ليس سلبيا في المطلق حيث هناك نقاط جغرافية عربية تتصدى وتقاوم ولكنها متروكة وحدها تحارب لأن هناك مصالح «قومية» لمن يدعمهم ويساندهم اهم عندهم من قضية فلسطين!؟ وأهم من الحالات الوطنية في أي بقعة جغرافية عربية خارج فلسطين؟! حيث ينتظر الإيرانيون «براغماتيا» و«مصلحيا» في سذاجة عميقة يعيشونها وعلى رأس تلك السذاجة هو المرشد الحالي السيد على خامنئي، حيث «لا» زالوا يعيشون أوهام و احلام ان يأتي اليهم الحلف الطاغوتي الربوي العالمي يسترضيهم و يساومهم و يتفق معهم على ما يريدون من إعادة دورهم كـ«شرطي للمنطقة العربي» وضمان عدم اسقاط النظام، و إعادة أموالهم المنهوبة من الحلف الطاغوتي الربوي ورفع الحصار عليهم…الخ و يحصلوا بالتالي بعد ترتيبات استخباراتية على مكاسب «قومية» إيرانية خاصة في المنظومة الحاكمة المتكلسة في نظام الجمهورية الإسلامية المقام على أرض إيران.
وأقول هنا: مكتسبات قومية و مصالح طبقة حاكمة و«لا» أقول مصالح «إسلامية» أو فائدة لنجاح نموذج الجمهورية الإسلامية و هناك فرق بين الاثنين «كبير» وهنا تقع معضلة ومأزق المواقع الجغرافية العربية خارج فلسطين التي تحارب عسكريا ضد الصهاينة، فهؤلاء العرب «المحاربين» هم متروكين لمصيرهم و يحاربون وحدهم من دون افق او امل ان الجمهورية الإسلامية ستدخل الحرب عسكريا معهم في شكل مباشر، و العار والخزي و الفضيحة ان الجمهورية الإسلامية قد تطوعت في ارسال الرسائل المتواصلة المستمرة بأن ليس لهم علاقة في معركة طوفان الأقصى و«لا» ارتباط في المواقع الجغرافية العربية التي تحارب ضد الصهاينة، فأصبحت تلك المواقع العربية مكشوفة اكثر و اكثر لتواصل الضرب العسكري الصهيوني و الانكشاف امام الحلف الطاغوتي الربوي العالمي.
بما يخص سوريا «الدولة و الحزب» فهي داخلة المعركة العسكرية منذ الشهر الأول و الى تاريخ كتابة هذه السطور ومن ضمن الصراع العسكري حسب امكانياتها الحالية و قدراتها الواقعية و هذا يجب تسجيله للتاريخ حيث هناك دخول عسكري و امني و استخباراتي غير معلن لظروف سوريا الداخلية و عدم الإعلان «فروسية» تسجلها «سوريا» كـ«قاعدة للصمود القومي العربي»، وهذا موقف تاريخي مقدر للجمهورية العربية السورية و لـ«رجال» حزب البعث العربي الاشتراكي الجناح اليساري الحاكم و أيضا ضمن هكذا «دخول» فقد حاولت الجمهورية العربية السورية إعادة تفعيل خط نقل الأسلحة و العتاد و الدعم الأمني الاستخباراتي الى داخل الضفة الغربية و لكن تم ضرب هذا الخط عسكريا من احدى الجهات الوظيفية الخادمة للكيان الصهيوني من قبل تأسيسه على ارض دولة فلسطين «الخضراء».
اذن الجمهورية العربية السورية رغم كل ظروفها الصعبة المعروفة فهي أيضا موقع جغرافي عسكري وأمنى واستخباراتي يحارب ضد الصهاينة، من هنا نفهم لماذا أعاد الحلف الطاغوتي الربوي والحركة الصهيونية تفعيل تحريك تنظيمات داعش والحركات التكفيرية في عمليات عسكرية ضد الجيش العربي السوري في هذه المرحلة مجددا، وهذا الكلام لمن يريد ان يفكر مع عقله؟
في الجانب الاخر نراقب الموقع الاناضولي المسمى «تركيا» التي تعيش دور داعم ومساند ومتحالف مع الصهاينة على كل المستويات ولكن رئيسها الاردوغاني «الجمبازي” يقدم ظاهرة صوتية سخيفة تخالفها حركة الدولة الطورانية العنصرية التركية على ارض الواقع الداعمة والمساندة للكيان الصهيوني.
كذلك هناك تواصل وازدياد لأعداد الشهداء في كل نقاط الصراع الجغرافية العربية ضد الصهاينة وصمود اسطوري لم يحقق معه الصهاينة اي منجز «عسكري» مهم او الوصول الي اي من أهدافهم المعلنة لما يقومون به، ورغم ان هناك ساقطين في بئر الخيانة والعمالة من هنا وهناك في الواقع العربي والاسلامي الا ان هناك مشهد العربي «إيجابي» في كل مواقع الصراع خارج قطاع غزة وداخل القطاع «لا» يزال يقدم مشهد عسكري قتالي، يمثل صوت «لا» ضد أصوات «نعم».
ولا تزال هناك وتيرة مستمرة لعمليات قتالية ضد الصهاينة، وسط محاولات استحمار دعائية يقوم بها الحلف الطاغوتي الربوي العالمي واشباه «دول وظيفية» في القاء مساعدات في عرض البحر!؟ لخلق مشاهد تصوير ولقطات استعراض في تمثيلية مقرفة مثيرة للغثيان ومسرحية سمجة «لا» يريد ان يتابعها أحد.
و«لا» زال الصراع مستمرا والمعركة قائمة في شهر رمضان المبارك حيث استمر وظل شياطين الانس الصهاينة واباليس الحلف الطاغوتي الربوي العالمي غير مقيدين ومنطلقين في ممارسة الشر بدون حدود، في انتظار ان يتعوذ النظام الرسمي العربي منهم ؟! وان يحاولون ان يعيشون معركة طوفان الأقصى وانتصارها في واقعهم كما عاش هذا الانتصار شعبنا العربي الفلسطيني في واقعه.
طبيب استشاري باطنية وغدد صماء وسكري
كاتب كويتي في الشئون العربية والإسلامية
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
In -t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر ولينكدإن لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية