نتحدث في مقالنا المبسط حول نظام المشيخة باعتباره أداة من أدوات الضبط الاجتماعي والتي تعد شكل من أشكال التنظيم السياسي الهرمي في المجتمعات التي تعتمد عادة على القرابة و النسب، والتي تحتكر فيها القيادة من قبل كبار الأعضاء الشرعيين من الأسر المختارة.
كلمة ( الشيخ ) فليس للقرآن الكريم عرف شرعي خاص بها ، بل جاءت فيه بالمعنى اللغوي المعروف فيها، والذي ذكره ابن السكيت رحمه الله (ت244هـ) بقوله «إذا ظهر به الشيب واستبانت فيه السن فهو شيخ»، وقد وردت كلمة شيخ في القرآن الكريم في أربعة مواضع بهذا المعنى: قوله تعالى على لسان زوجة إبراهيم عليه السلام : ( قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ) هود/72
وقوله عز وجل على لسان إخوة يوسف: ( قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) يوسف/7.
وقوله تعالى على لسان الجاريتين اللتين سقى لهما موسى عليه السلام : ( قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ ) القصص/23.
وأخيرا قول الله سبحانه : ( هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا ) غافر/67 .
جاءت في هذه المواضع جميعها بالمعنى اللغوي الدال على كبر السن ومع ذلك يجوز إطلاق كلمة ( شيخ ) لغةً وعُرفا على مَن يكثر علمه ، ويشتهر بالمعرفة بين الناس ؛ لأن هذا المعنى له علاقة بالمعنى السابق ؛ إذ المشيخة – التي هي كبر السن وتقدمه يفترض أن تكون سببا في زيادة العلم ودقة المعرفة ، ولهذا أطلقوا على من حاز المعرفة وصف ( الشيخ )، كما يقول الراغب الأصفهاني رحمه الله : «يقال لمن طعن في السن : ( الشيخ ) ، وقد يعبّر به فيما بيننا عمن يكثر علمه ، لمَّا كان مِن شأن ( الشيخ ) أن يكثر تجاربه ومعارفه » انتهى من ” المفردات في غريب القرآن ” (ص/469) .
وقد أدى إلى هذا الاستعمال الجديد – نسبيا – دخولُ الحراك العلمي على البيئة العربية التي كانت أمة أمية لا تكتب ولا تحسب ، فجاء الإسلام بالعلم والمعرفة ، وبدأت النهضة تتمثل بالمعلمين من الصحابة الكرام ، الذين انتشروا في البلاد ، فتتلمذ التابعون عليهم ، وبدأ لقب ( الشيخ ) يتمحور حينئذ في وقت مبكر من التاريخ ، بل في عصر الاحتجاج اللغوي ، خاصة بين المحدثين ، إذ لم يتردد أحد منهم في إطلاق وصف ( الشيخ ) على من يؤخذ عنه الحديث ، في مقابلة التلميذ الذي يتلقى الحديث .
بهذه المقدمه ندخل الى عمق البحث حول نظام المشيخه والعشيرة والتحولات التي طرأت على بنية العشيرة وأدوارها ووظائفها منذ نهاية العهد العثماني حيث أن العشيرة تحولت منذ منتصف القرن التاسع عشر تقريبا إلى مجرد وظيفة، وصار ينظر اليها من خلال علاقة السلطة بها وليس العكس. وأن القوانين المتعلقة بملكية الأرض كانت سببا حاسما في هذا التحول، بداية من قانون الأراضي العثماني عام 1858 والذي وضعه مدحت باشا من اجل تشجيع العشائر على التوطن بعد احتلالهم للعراق في العام 1917، حرص البريطانيون على تعزيز نظام ((المشيخة)) لاستخدامه كأداة للضبط الاجتماعي، هكذا أصدر البريطانيون عام 1918 قانون العشائر العراقي ثم سجلت أغلب الأراضي الزراعية بأسماء شيوخ العشائر فأصبحوا المالكين الرسميين لها مع صدور (قانون تسوية حقوق الأراضي رقم 50 لسنة 1932)
و (قانون اللزمة رقم 51 لسنة 1932) وقد تم استكمال هذه الحلقة مع صدور (قانون حقوق وواجبات الفلاح رقم 28 لسنة 1933) الذي ألزم الفلاح بالبقاء والعمل في هذه الأراضي، كما عمد البريطانيون إلى تقوية سلطة شيخ العشيرة من خلال منح الشيوخ سلطة القضاء في عشائرهم رسميا، فضلا عن مسؤولية حفظ الأمن، وحماية طرق المواصلات، وجمع الضرائب في مناطقهم!!! كان الهدف الرئيسي من ذلك هو تحويل ((المشيخة))من سلطة معنوية لشيخ العشيرة التقليدي (الكبير/ الأب/ الراعي)، إلى سلطة شيخ العشيرة المالك، والمسؤول الإداري، والنائب البرلماني. مع كل ما يترتب على ذلك من تحويل العشيرة إلى بنية اجتماعية ـ سياسية ـ عسكرية، تقوم بوظائف متعددة
وبعد الاحتلال الأمريكي للعراق في العام 2003، وبسبب انهيار الدولة ووسائل الضبط الرسمية، حاول شيوخ العشائر العمل على زيادة الدور الاجتماعي والسياسي للمؤسسة العشائرية من خلال تشكيل تجمعات ومجالس من أجل استعادة وظيفتها كأداة للضبط الاجتماعي من جهة، والتفكير بإمكانية توسيع دورها من خلال الدخول إلى السلطة. ولكن بدا واضحا من خلال تشكيل مجلس الحكم في 13 تموز 2003 أن سلطة الائتلاف المؤقتة لم تعترف، وربما لم تقتنع بمنح دور لشيوخ العشائر في إدارة السلطة، ولو شكليا في العراق ، ولكن الكولونيل كينغ، وفقا لما ذكرته صحيفة الأندبندنت في 18 كانون الثاني /يناير 2004 أشار إلى رفض كبار الشيوخ الدخول إلى الساحة السياسية، والى أن الشيوخ الذين يتعامل معهم، وهو يسميهم شيوخ «الفئة الوسطى»، والذين بدأوا بتنظيم أنفسهم بواسطة مجالس، لا يتمتعون بنفوذ حقيقي في عشائرهم. هكذا وجدنا القيادات الميدانية في الجيش الأمريكي تتيح لشيوخ العشائر مساعدتها، وليس مشاركتها، في الإدارات المحلية لبعض المناطق، أو في جعلهم وسطاء بينها وبين المجتمع المحلي اعتمادا على النموذج الزبائني، ولعل النموذج الاهم هنا هو نموذج شيوخ الصحوات التي أنتجهم الجنرال بترايوس
لم تعد العشيرة في العراق، بنية اقتصادية أو سياسية أو عسكرية، ولم يعد لشيخ العشيرة أي سلطة حقيقة او رمزية على أبناء عشيرته، فقد انتهت العشيرة لان تكون بنية اجتماعية حصرا، ولم تتحلل بشكل نهائي بسبب طبيعة التحولات السياسية والاقتصادية والثقافية التي حكمت العراق خلال العقود الاخيرة. ولكن محاولات لاستخدام هذه البنية الاجتماعية لأغراض براغماتية، كانت دائما نموذجا مغريا، من دون أي انتباه او التفات إلى ما يؤديه هذا الاستخدام ((الانتهازي)) من تقويض للعشيرة والدولة معا!
وبعد الانفتاح الذي حصل ظهرا لنا المستشيخين الذين تكاثروا بطريقة مسيئة لحرم وقدسية المشيخة العشائرية واصولها وشروطها التي كفلها الدستور العراقي لسنة 2005 النافذ في المادة (45/ ثانياً) وكفلتها الاعراف الاجتماعية العشائرية المتواترة بالتسليم بتداول المشيخة جيل بعد جيل على أساس الارث المشيخي العائلي للمشيخة العشائرية، مشوهين هيبة ووقار وسمعة ومنزلة المضايف العربية الاصيلة مضايف الحظ والبخت والكرم والجود من خلال دكاكين المستشيخين العشائرية التي جعلوها مدعاة للكشخة الاجتماعية واللهو والبروز الفيسبكي أحياناً وبعضهم يتربحون منها بطرق متنوعة مادية ومعنوية مخجلة خادشة للقيم العربية والاسلامية الاصيلة متجاوزين حدودهم معتدين على استحقاق غيرهم وحقوقهم في المشيخة،هؤلاء المستشيخين ينطبق عليهم التكييف القانوني المتعلق بجريمة انتحال الشخصية وفق احكام المادة 261 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 النافذ ويخضعون للمسائلة القانونية وفقاً لها ووفق احكام قرار مجلس قيادة الثورة رقم 206 لسنة 2000 النافذ الذي شدد عقوبة منتحل صفة المشيخة والنسب العشائري والديني إلى السجن سبع سنوات بالاستئناس القياسي بقرار مجلس قيادة الثورة رقم 160 لسنة 1983 النافذ
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
In -t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر ولينكدإن لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية