سلاح التجويع هو الأخطر والأشد فتكاً على مر العصور، والهدف منه هو هلاك المحاصرين والحكم عليهم بالموت البطيء، ويذكر التاريخ حصار النبي -صلى الله عليه وسلم- وبني هاشم في الشِّعب للخلاص من الدين الوليد والحد من انتشاره بعدما باءت محاولات قريش مع النجاشي في إعادة المسلمين من الحبشة بالفشل، فقرروا عزل المسلمين في مكة وتجويعهم ليواجهوا الموت جوعاً أو الردة وترك الدين.
وكتبت قريش وثيقة بالمقاطعة الاقتصادية للمسلمين وأودعوها في جوف الكعبة، وانتقل المسلمون ومن ولاهم إلى شِعب لأبي طالب، واستمرت الحالة قرابة العامين واضطروا إلى أكل ورق الشجر والعشب ليسدوا جوعهم، وانتهت المقاطعة عندما أكلت الأرضة الصحيفة ولم يبق منها إلا «باسمك اللهم».
وما أشبه الليلة بالبارحة ليعود اليهود في ثوبهم الجديد ويضربون حصاراً اقتصادياً قاتلاً على أهل غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي حتى يومنا هذا في ظل حرب إبادة شاملة لم يشهد لها التاريخ مثيلاً مستخدمين خلالها كافة أنواع الأسلحة المحرمة دولياً في حرب برية جوية بحرية ارتقى خلالها إلى السماء أكثر من 30 ألف شهيد معظمهم من النساء والأطفال بخلاف عشرات الآلاف من المصابين وغيرهم من المختفين في عداد الموتى.
اليهود الأولون كانوا يبتغون اقتلاع الدين من جذوره والقضاء عليه وعلى التابعين له حماية لأصنامهم وترسيخاً لجبروتهم، وأحفادهم يريدون قتل شعب بأكمله واحتلال أرضه وتهجير أهله لإنهاء قضيتهم إلى الأبد والتمدد إلى دول الجوار لتحقيق حلم صهيوني بالدولة المزعومة.
يهود مكة واجههم النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوة الإيمان والصبر وتحدى أصحاب المروءة تلك المقاطعة الجائرة، وكان على رأسهم هشام بن عمرو وزهير بن أبي أمية وانضم لهم آخرون في جرأتهم ومنهم المطعم بن عدي وأبو البختري بن هشام وزمعة بن الأسود وواجهوا اليهود حتى جاء نصر الله.
يهود العصر الحديث الذين يزيد عددهم على 9 ملايين يهودي بقليل في إسرائيل أتوا بكل أنواع الموبقات وتعدوا على كافة القوانين والمواثيق الدولية والإنسانية ليسوا عن كثرة وإنما عن قلة فهم يعيشون في عالم يزيد عدد المسلمين فيه على 2 مليار مسلم ويقيمون بين دول عربية وإسلامية زاد عدد سكانها على 480 مليون نسمة أليس هذا عاراً!!
المجاعة في غزة أصبحت واقعاً مريراً وسلاحاً قاتلاً يصر اليهود على تفعيله كفرصة أخيرة لتحقيق أحلامهم، ولم يكفهم عرقلة وصول المساعدات بكل السبل والطرق بل إنهم يستهدفون المواطنين الأبرياء العزل لقتلهم والقضاء عليهم أثناء محاولتهم الحصول على المساعدات على مرأى ومسمع من العالم، وفي تحد صارخ وعزم قاطع على تحقيق أهدافهم الدموية مهما كان الثمن.
باختصار.. ما يتعرض له الأشقاء في غزة عار على جموع المسلمين والعرب بل عار على الإنسانية جمعاء، وسوف يدون التاريخ في صفحات حالكة السواد كل المناوئين والمتواطئين في حصار وخنق الشعب الفلسطيني في مواءمات سياسية أو تحالفات اقتصادية محكوم عليها بالفشل.
تبقى كلمة.. صمود المسلمين الأوائل في مقاومة الحصار الاقتصادي لليهود وقوة إيمانهم بالقضية ومروءة العرب الذين خشوا أن يعيروا بين الأمم بأنهم يأكلون الطعام ويلبسون الثبات وبنو هاشم هلكي لا يبتاعون ولا يبتاع منهم فجر بقلوبهم طريق النصر، ومازال أهل غزة ينتظرون أهل المروءة والإخوة والأشقاء لنجدتهم قبل أن تكتب أسماؤهم جميعاً في تعداد الشهداء دفاعاً عن الأمة في مواجهة يهود العصر.. ترى أيهما أقرب نخوة الأشقاء أم الأرضة.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
In -t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر ولينكدإن لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية