مازالت توقعاتنا إيجابية فيما يتعلق بأسعار الذهب والفضة، وإن كان من المرجح أن يحافظ كلا المعدنين على استقراره لحين اتضاح الصورة حول توقيت ووتيرة وحجم التخفيضات المستقبلية في أسعار الفائدة الأمريكية. قد يشهد السوق بعض التحسن قبل أن يحين موعد التخفيض الأول، كما أن زيادة التوقعات بخفض تدريجي لأسعار الفائدة قد تصل إلى مستويات تجعل الأسعار عرضة للتصحيح. مع وضع ذلك في الاعتبار، سيواصل التوجه قصير الأمد للذهب والفضة تأثره بالبيانات الاقتصادية الواردة وتأثيرها على الدولار والعوائد وتوقعات خفض أسعار الفائدة.
خلال الأسبوع الماضي، تراجعت توقعات السوق بما يتعلق بخفض أسعار الفائدة في الولايات المتحدة، حيث تحولت من توقع أكثر من ستة تخفيضات بمعدل (25 نقطة) خلال هذا العام إلى أقل من خمسة، بينما تراجع احتمال حول إقرار أول تخفيض في اجتماع 20 مارس إلى أقل من 20%. تسلط جميع التطورات الضوء على مدى تقلب الأسواق في الفترة التي تسبق التغيير في السياسة النقدية. بعد اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة الأسبوع الماضي، استبعد رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي “باول” أن تصل اللجنة إلى الاقتناع بخفض أسعار الفائدة قبل بدء اجتماعها في مارس. وأضاف قائلاً إنه في حال كان النمو الاقتصادي يتقدم بوتيرة “ثابتة”، ومؤشرات سوق عمل “قوية”، والتراجع المستمر في معدلات التضخم، يمكن لبنك الاحتياطي الفيدرالي القيام بتخفيض أسعار الفائدة بحذر.
على الرغم من التحذيرات السابقة، أثار تقرير الوظائف الأمريكي القوي يوم الجمعة وانتعاش مؤشر قطاع الخدمات يوم الاثنين، الذي يشمل التوظيف وأسعار السلع، قلقاً بشأن احتمالية عدم خفض أسعار الفائدة بالوتيرة المتوقعة. وكان أثر ذلك واضحاً على الأسواق، حيث ارتفع مؤشر الدولار بلومبرج، الذي يشمل أيضاً اليوان الذي يواجه ضغوطاً، إلى أعلى مستوى له منذ نوفمبر الماضي، بينما عادت عائدات سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات إلى الاقتراب من مستوى المقاومة عند 4.2% بعد أن أن عجز عن تجاوز مستوى 3.8% الأسبوع الماضي.
أصبح تداول المعادن الثمينة بالنسبة الذين لأولئك الذي يسعون التعامل مع هذه التوقعات المتغيرة باستمرار أمراً شاقاً، خاصة لأولئك الذين يبحثون عن فرص تحقيق أرباح قصيرة الأجل. استناداً إلى مخطط الذهب أدناه، يبدو أن السوق حافظ على استقراره نتيجة الطلب على شراء الذهب من البنوك المركزية والطلب من الأفراد في الصين والهند، بالإضافة إلى المخاوف في الشرق الأوسط التي توفر حداً أدنى ناعماً للسوق عند حوالي 2000 دولار أمريكي، بينما يبدو حدوث اختراق يتجاوز 2065 دولاراً أمريكياً صعباً حتى تتضح الصورة حول توقيت خفض أسعار الفائدة القادم ووتيرته وحجمه.
تظهر المخططات أدناه على آخر التطورات، ومن بينها قدرة الذهب على الحفاظ على قيمته على الرغم من الأداء القوي للدولار مؤخراً وتراجع احتمالات خفض أسعار الفائدة. كما تظهر علاقة ارتباط سلبية بين التحركات في العوائد الحقيقية وأسعار الفائدة الاتحادية للعقود الآجلة. على الرغم من قوة الدولار وارتفاع عائدات السندات وتراجع توقعات خفض أسعار الفائدة، فإن خسارة الذهب ‘بمقدار’ 2% فقط منذ بداية العام ترجع على الأرجح إلى المخاوف الجيوسياسية المتعلقة بحالة التوتر في الشرق الأوسط، فضلاً عن استمرار الطلب القوي على الذهب من البنوك المركزية والطبقة الوسطى الصينية التي تحاول الحفاظ على ثرواتها المتناقصة بسبب أزمة سوق العقارات وأسوأ أداء لسوق الأسهم على مستوى العالم بالإضافة إلى ضعف اليوان.
في استعراض مجلس الذهب العالمي لعام 2023، تم وصف العام المنصرم بأنه شهد مرة أخرى تزايد كبير في الطلب، نتيجة عمليات الشراء التي تقوم بها البنوك المركزية وشراء كميات كبيرة من المجوهرات من قبل المستهلكين. بلغت مشتريات البنوك المركزية 1037 طناً، أي أقل بـ 45 طناً فقط من الرقم القياسي لعام 2022، في حين استمرت عمليات شراء المجوهرات لتصل إلى 2093 طناً بالرغم من ارتفاع الأسعار. وبحسب التقرير، شهدت صناديق الاستثمار المتداولة العالمية تدفقاً سالباً سنوياً للمرة الثالثة على التوالي بمقدار 244 طناً مقارنة بـ 110 طناً في عام 2022، حيث اتجه مديرو الأصول وغيرهم من المستثمرين إلى استثمارات أخرى وسط ارتفاع تكاليف التمويل وتكلفة الفرص مقارنة بالاحتفاظ بمركز في السندات.
وفي الوقت نفسه، بعد أربعة أسابيع من البيع الصافي، خفض متداولو الأموال المدارة مثل صناديق التحوط ومستشارو تداول السلع من استثماراتهم إلى 72 ألف عقد و204 طن في 30 يناير، أي ما يقرب من نصف المركز الذي تم الاحتفاظ به في بداية العام. مرة أخرى، يسلط التأثير المحدود (السلبي) على السعر الناجم عن عمليات البيع الضوء على الطلب المادي الأساسي غير المرئي في ما يسمى بسوق “الأوراق” الذي يشمل صناديق الاستثمار المتداولة حيث وصلت التدفقات السلبية منذ بداية العام إلى 54 طناً.
ويشهد سعر الفضة تراجعاً بنسبة 6% تقريباً منذ بداية العام، ونشهد إقبالاً ضعيفاً نتيجة تراجع أداء المعادن الصناعية الذي ينتقل تأثيره إلى أسواق المعادن النفيسة الأخرى. يسلط هذا الأمر الضوء على معدن تتأثر تحركاته بشكل رئيسي بتغيرات أسعار الذهب والنحاس، حيث يتأثر النحاس حالياً بسلبية بسبب ضعف اليوان وسط مخاوف بشأن التوقعات الاقتصادية في الصين. يقع مستوى الدعم الرئيسي الذي يمنع حدوث انخفاض أكبر عند مستوى يقارب 22 دولاراً، بينما تم تحديد مستوى المقاومة عند 23.25 دولاراً قبل الوصول إلى المتوسطات المتحركة لـ50 و200 يوم.
نون – القاهرة
In -t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر ولينكدإن لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية