الانهيار الكامل أصاب غزة وحولها إلى مدينة للأموات والأشباح، وأعاد أهلها إلى ما قبل عصور التاريخ ليحيا أهلها حياة بدائية في غياب جميع مقومات الحياة من قطرة المياه إلى كسرة الخبز مرورا بالأدوية والعلاج والتعليم، بل إنهم يعيشون تحت هول حرب الإبادة الشاملة وجرائم الحرب على مدار الساعة.
الوضع اللاإنساني للأشقاء في غزة والذي تجف الأحبار دون وصفه فاق في ضراوته أفلام الرعب والخيال ومصاصي الدماء، بل أصبح حديث الصباح والمساء وتندد من هوله المظاهرات التي اجتاحت العالم وتعقد من أجل مئات المؤتمرات الدولية لكنه يبقى مجرد كلمات جوفاء لا توقف بحور الدماء ولا تهدأ من زلزال الأرض المباركة ولا تخمد نيران المعركة.
ورغم قرارات محكمة العدل الدولية التي أقرت بوجود جرائم حرب في غزة إلا أن العالم أجمع وقف عاجزا عن فرض هذه القرارات على المحتل الغاصب الذي لا يترك فرصة إلا ويجدد تأكيده على أن المعركة مستمرة والتوقف مستحيل، وأن المفاوضات خيارا لن يتحقق والمجازر لن تتوقف.
وزادت من صعوبة الحياة في القطاع تعليق 9 دول لمساهماتها في الأونروا لتقديم المساعدات الإنسانية لأهالي غزة لبدء مرحلة الموت البطيء، فمن لم يمت تحت وطأة الصواريخ والقنابل والمعارك جوا وبحرا وبرا حتما سيلقى حتفه بسبب الجوع، ونقص الأدوية في محاولة لإنهاء مسيرة ووجود شعب يتمسك بوطنه ويعشق ترابه ويدافع عن أرضه وعرضه.
الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش – الذي لم يسلم من سهام اليهود الذين يكيلون التهم لكل من تعاطف مع قضية فلسطين- أطلق صرخة مدوية لجميع الدول الأعضاء بالمنظمة الدولية لتقديم المساعدات للأونروا لإنقاذ الأرواح في قطاع غزة، مشددا على أن نظام الدعم الإنساني في القطاع يتعرض للانهيار.
وقال في كلمته في الجلسة الافتتاحية للجنة الأمم المتحدة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه مساء الأربعاء أن المنظومة الإنسانية في غزة تتهاوى، وأن المدنيين يواجهون ظروف غير إنسانية ويعانون للبقاء على قيد الحياة في ظل انعدام الخدمات الأساسية، منددا بالعنف العسكري المفرط من قبل الاحتلال الإسرائيلي ضد المدنيين في القطاع، ما تسبب في الموت والدمار والتشريد والجوع والفقدان والمعاناة.
صرخة الأمين العام للأمم المتحدة ليست كسابقتها فإنها تأتي في وقت بالغ الخطورة وفي لحظات فارقة بين الحياة والموت، داعيا على إطلاق سراح الرهائن والمعتقلين فورا بلا قيد أو شرط، ومشدد على ضرورة احترام القوانين الدولية والالتزام بقرارات محكمة العدل الدولية، بل وأعرب عن انزعاجه الشديد من الأعمال الإجرامية المتزايدة من قبل المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية تجاه الفلسطينيين.
باختصار.. الطبيعي أن يطلق المظلومين استغاثات بالأمم المتحدة لنصرتهم من الظلم والبطش مطالبين بتدخلها لوقف العدوان عليهم، أما أن تصدر الاستغاثة من الأمين العام للمنظمة فالأمر يعني أن الكارثة فاقت الحدود وأن اختراق القوانين الإنسانية في غزة تعدى كل الخطوط الحمراء، وبات أكبر من جرائم الحرب نفسها، وأن الدول الأعضاء مطالبين بحلول عاجلة تردع إسرائيل في المقام الأول ومن خلفها الولايات المتحدة والدول الداعمة الذين يدعمون الظلم والباطل ويرسخون أقدام الاحتلال ودولته المزعومة على جثث الشهداء.
تبقى كلمة.. ما شهدته غزة خلال 117 يوما من الموت والدمار كانت الأصعب على الشعب الفلسطيني منذ نكبة عام 1948 وحتى الآن، فقد خلفت الحرب ما يقرب من 27 ألف شهيد و7 آلاف مفقود تحت الأنقاض وهم أيضا في تعداد الشهداء بالإضافة إلى 66 ألف مصاب بينهم 7 آلاف حالة حرجة تستدعي إصابتهم العلاج العاجل خارج القطاع، وهذا العدد من الشهداء وفقا للسفير رياض منصور المراقب الدائم لفلسطين لدى الأمم المتحدة، أكبر من الضحايا في أي صراع خلال هذه المدة الزمنية منذ الحرب العالمية الثانية.
الأرقام لا تكذب وفي الوقت نفسه تكشف هول ما تعرض له الغزيين منذ السابع من أكتوبر الماضي حيث ارتكبت قوات الاحتلال أكثر من 2000 مجزرة وفقا للسفير مهند العكلوك مندوب فلسطين لدى الجامعة العربية، وأسقطت أكثر من 65 ألف طن من المتفجرات على غزة، ودمرت 390 مدرسة وجامعة و282 مسجدا و3 كنائس بالإضافة إلى 359 ألف منزل منها 70 ألف دمرت تدميرا كليا، كما تسببت الحرب في نزوح 2 مليون غزاوي.
منطقة الشرق الأوسط تشهد الآن بسبب ما يحدث في غزة تصعيدا غير مسبوق تتزايد بؤر الصراع فيه كل يوم عن سابقه من غزة إلى اليمن مرورا بجنوب لبنان والبحر الأحمر.. المنطقة كلها باتت معنية بالكارثة فالحدود الملتهبة تعني أنه لم يعد أحد في مأمن وأن الخطر قادم لا محالة.
samyalez@gmail.com
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
In -t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر ولينكدإن لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية