نون والقلم

هل حدد مرشحو الرئاسة الأمريكية سياساتهم الخارجية ؟

يدخل رئيس أمريكي جديد البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني 2017. وكالعادة يدعو في الحال مجلس الأمن القومى، لبحث استراتيجيته الجديدة للسياسة الخارجية، وتقديم الأعضاء أفكارهم عن سياسات الإدارة الجديدة، خاصة بالنسبة للمناطق والمشكلات الأساسية، مع إعطاء أولوية – هذه المرة – للشرق الأوسط، بناء على ما هو متفق عليه بين مؤسسات وخبراء السياسة الخارجية، من أن المنطقة تتعرض لمخاطر فعلية، وأنها منطقة مصالح حيوية للولايات المتحدة.
وبصرف النظر عما يطرحه المرشحون للرئاسة من أفكار، إلا أن السياسة الخارجية، تتبلور في صورتها النهائية، في هذا الاجتماع، بعد أن يكون المرشح قد أصبح رئيساً.
صحيح أن شخصية الرئيس، وقوة إرادته وخبراته التراكمية في مجال السياسة الخارجية، يمكن أن تضع بين يديه زمام تحديد مسارات السياسة الخارجية، إلا أن المناقشات مع مساعديه، لا بد أن توسع أمام نظره مدى للرؤية لم يكن متاحاً له قبلها. وهو ما يجعله يشعر باحتياجه لإعادة ترتيب أولوياته، وما قد تتطلبه قراراته من المجازفة، أو التضحية أحياناً. وكما يقول ريتشارد هاس رئيس المجلس الأمريكي للعلاقات الخارجية، أن المؤكد أن اختيار الناخبين للرئيس القادم في 2016، سيكون له تأثيرات عميقة، سواء للأحسن، أو للأسوأ، بالنسبة للعالم كله.
وبالنظر إلى ما طرحه المرشحون من الحزبين، الذين نزلوا إلى سباق الاختيار، عن أفكارهم للسياسة الخارجية، إلا أنهم لم يقولوا الكثير، في جولاتهم الانتخابية.
وقد لوحظ تكرارهم عبارات سبق أن قيلت في المناسبات الانتخابية، وإن تغيرت الألفاظ، مثل قولهم:
-إن الولايات المتحدة ينبغي أن تكون لها قيادة العالم.
– علينا أن نقهر الديكتاتورية وندافع عن الحرية.
– إن حلفاءنا وأصدقاءنا يعتمدون علينا، وإن أعداءنا يراقبون ما نفعله.
لكن أياً منهم تفادى تقديم رؤية تفصيلية لخططه للسياسة الخارجية، فكل منهم يوجه رسالته أساساً إلى الداخل، وفي ذهنه مدى تأثيرها في تنشيط موجة التبرعات لحملته وتحفيز الأصوات لتأييده.
صحيح أن الناخب اعتاد تحديد اختياراته في التصويت، بناء على برامج المرشح بشأن المشاكل المعيشية، كالرعاية الصحية، والهجرة، والضرائب، وحقوق حمل البنادق، مما تشغله قضايا، وأزمات، ومشاكل العالم الخارجي. لكن ذلك لم يعد قائماً بنفس الدرجة. فالرأي العام الذي ظل لسنوات طويلة مطمئناً تجاه إمساك أمريكا في قبضة يدها بزمام تحريك الأحداث في العالم، ضامناً أن هذه الأحداث لن تفلت من بين أصابعها، لهذا اختار الناخب عادة أن يتجاهلها.
هذا الوضع لحق به تغيير كبير، بعد أن فقدت الولايات المتحدة، التيقن من الاتجاهات المستقبلية للأحداث قدرتها على صناعة الأحداث داخل الدول الأخرى، والتي صارت تتحرك نتيجة تفاعلات ذاتية، في المناطق الإقليمية، وتفاجئ أمريكا بأشياء لم تتوقعها.
أكثر من ذلك، فإن مصادر تهديد الأمن القومي لها، تطورت، حتى وإن نشأت في مناطق بعيدة عنها جغرافياً. من ثم أصبح الرأي العام الأمريكي، لا يستطيع التشبث بخاصية التجاهل التام لما يجري في الخارج، بينما التحديات تدق بابه.
وكان هذا دافعاً للدبلوماسية السابقة اليزابيث كولتون، وهي الآن أستاذة للصحافة والعلوم السياسية، ومديرة للجنة الأمريكية للعلاقات الخارجية، لأن تهتم بدراسة أضرار الفصل بين السياستين الداخلية والخارجية، وأن توجه رسالة للرئيس تدعوه لأن يوضح للرأي العام، أن السياسة الداخلية مرتبطة تماماً بالسياسة الخارجية. وليست هناك استقلالية لأيهما عن الأخرى، وأن اقتصادنا القومي، ونموه، واستقرارنا، يعتمد على علاقاتنا بالخارج.
وأذكر في أواخر الثمانينات، وأثناء حوار لي مع مسؤول أمريكي في واشنطن، أن قال لي إن المواطن الأمريكي يهتم فقط بالسياسة الخارجية، في حالة واحدة، هي تأثيرها في رصيد حساباته في البنوك، بالزيادة، أو بالنقص.
وطوال السنوات التي مرت بعدها، كان العالم يدخل في مراحل من التحولات بدءاً من انتهاء الحرب الباردة عام 1979، ثم بدايات صعود الصين كقوة عالمية منافسة، وما تحقق لدول صغيرة في آسيا، وأمريكا اللاتينية من نهضة اقتصادية، مع حدوث مشاكل مالية واقتصادية في الولايات المتحدة، وكل هذا ساهم في تغيير المحيط الدولي الذي كان ملعباً تنفرد الولايات المتحدة، بتحديد قواعد اللعب فيه، واختيار اللاعبين. وبالتالي أصبح ما يجري في الخارج، عنصراً يدفع موجاته النشطة إلى الداخل الأمريكي ذاته، سياسياً، واقتصادياً، وعسكرياً.
أمام هذه التحولات كان تركيز المرشحين في حملاتهم الانتخابية على الداخل، مع تجاهل لافت للنظر لما تستحقه السياسة الخارجية من اهتمام، حالة لا تتسق مع واقع الحال. وبالتالي لابد وأن يجد الرئيس لحظة دخوله البيت الأبيض، نفسه مجبراً على إعادة تحديد الخطاب الرئاسي وإلا استمرت ظاهرة التناقضات في السياسة الخارجية، التي كانت سمة مميزة لإدارة أوباما.

أخبار ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى