في 28 سبتمبر 1995 تم التوقيع الرسمي على ما يسمى «اتفاقية أوسلو» بين الزعيم الراحل ياسر عرفات رئيس السلطة الفلسطينية، واسحاق رابين رئيس الكيان الإسرائيلي. جرى وصف الاتفاقية بالمحورية المركبة في عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية، وتتحدث عن تأسيس حكومة ذاتية انتقالية فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة لفترة انتقالية لا تتجاوز خمس سنوات تؤدي إلى تسوية شاملة للقضية الفلسطينية.
كانت منظمة التحرير الفلسطينية قد كشفت في 15 نوفمبر 1988 خلال انعقاد الدورة 19 للمجلس الوطني الفلسطيني بالجزائر عن وثيقة «إعلان استقلال دولة فلسطين».
المفارقة الأولى أن بين الحدثين قرابة 7 سنوات، وأنه تم أولا الإعلان عن استقلال «الدولة» بكل ما تحمله الكلمة من معني، أي المفروض بكل ما يجب أن يتعلق بها من المقومات الأساسية: الشعب، الأرض الإقليمية والسلطة السياسية، ولكن ما حدث أنه جرى لاحقا تحديد المواقع الجغرافية لحدود الدولة «الإقليم» في الضفة الغربية وقطاع غزة وكانا منطقتين متباعدتين لا تمثل مساحتهما مع «ذات اللون الأخضر بالخريطة المرفقة» سوي 22% من مساحة فلسطين التاريخية. أي أنه تم وضع العربة قبل الحصان.
المفارقة الثانية، أنه تأسيسا على التباعد الجغرافي بين الضفة والقطاع سمح الوضع بحدوث تباعد آخر اقتصادي واجتماعي ووجداني ثم جفاء سياسي تطور إلى استقطاب يهدد الوحدة الوطنية للشعب الفلسطيني من خلال اختلاق انتماءات تضع نوايا كل طرف في دائرة الشك لدى الطرف الآخر، وعليه تشكلت فعلا سلطتين، وحركتين مسلحتين: حركة «فتح» من التيار الوطني في الضفة الغربية تعترف بحق إسرائيل في الوجود بالأراضي التي احتلتها بعد حرب 1967 وحركة «حماس» في قطاع غزة من التيار السياسي الإسلامي المسلح المقاوم للاحتلال الصهيوني، وعليه تفتت وحدة المقاومة الفلسطينية المسلحة.
المفارقة الثالثة، أن الظرف الحالي يشير إلى اختلال كبير في واقع العلاقات بين طرف يفرض وجوده بالاحتلال العسكري الغاشم على كامل الأرض الفلسطينية، والطرف الفلسطيني الذي جرى اغتصاب أراضيه، ولكن ليست هذه هي المشكلة، إذ أن أراضي الدولة الفلسطينية محتواة بالكامل في مجموع أراضي الكيان الصهيوني جغرافيا، وأنه لا وجود لحدود دولية للأراضي الفلسطينية مع دول الجوار سوى إطلالة بحرية محدودة على البحر المتوسط بطول 41 كلم، وحدود مشتركة مع سيناء المصرية غربا بطول 11 كلم.
إن العمل النضالي المسلح الكبير الذي تخوضه عناصر المقاومة الفلسطينية في حركة «حماس» لمدة تقارب أربع أشهر بقى في دائرة الأخبار المثيرة الجديرة بالمتابعة بالنسبة للفلسطينيين البعيدين في الضفة الغربية، حتى شملتهم الأطماع التوسعية للكيان المحتل وامتدت إليهم يد القتل والتخريب والهدم والتدمير في عدة مدن بالضفة الغربية.
لقد أثر التباعد العمدي الجغرافي بين الضفة والقطاع في إمكانية إظهار تضامن أبناء الشعب الواحد في كلا من الضفة والقطاع وقوة ترابطهم وذلك لخطورة التنقل البري وصعوبة التواصل بينهما بعد تدمير البنية الأساسية في غزة، والمؤلم في هذا الواقع أنه لم يتمكن أي طرف في الضفة من نجدة أهالي غزة مباشرة بالمساعدات الإنسانية والإغاثية.
الأمر الأكيد أن الكيان المحتل قد ضاق بوجود الشعب الفلسطيني على قيد الحياة بالقرب منه، ويرى أنه قد حان وقت تهجيره من أراضيه بالقوة المسلحة من الضفة الغربية نحو الأراضي الأردنية، ومن قطاع غزة نحو صحراء سيناء المصرية وفي هذا التشتت الواسع بلاء عظيم.
إن مثل هذه الأطماع لا تتشكل في حينها ولا تنشأ فجأة من فراغ ولكنها نتيجة سيناريو خبيث محكم وكذبة كبرى حوّلت الأراضي الفلسطينية من أراضي محتلة منذ عام 1948 إلى أراضي مختلة جغرافيا وديموغرافيا باتفاقيات رسمية، والضحية هو الشعب الفلسطيني.
للمزيد من مقالات الكاتبة اضغط هنا
In -t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر ولينكدإن لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية