نون والقلم

طارق تهامي يكتب: مواقف مضيئة لمصطفى النحاس

منذ عدة سنوات، قال لي المستشار نبيل زكي عياد، أحد أحباء الزعيم الشريف طاهر اليد مصطفى النحاس.. إنه قام بإعداد بحث بعنوان «مواقف مضيئة في حياة الزعيم» حول المواقف السياسية والوطنية للنحاس باشا، وبه توثيق لعدد من القوانين المهمة التي نجح في إصدارها وانحاز فيها للموظف والعامل والفلاح.

البحث المختصر عن حياة النحاس يستحق القراءة، وكل محاولة لتوثيق سيرة الزعيم، هي إحياء لمبادئ لن تموت لأن صاحبها دفع ثمنها حريته ومناصبه، وكافح سنوات طوال من أجل نشرها.. تعالوا نقرأ لقطات مختصرة من بحث المستشار نبيل عياد.. تناول فيها موقف النحاس من الأقباط.

عند قيام ثورة 1919 كان كل من مصطفى النحاس ومكرم عبيد في بيت الأمة وتأخر الليل، فقال لهما سعد زغلول: امكثا عندي تلك الليلة، رد مصطفى النحاس إننا تعاهدنا أن نعيش معًا ونموت معًا.

فما الحكاية؟

عندما تم نفى سعد زغلول ومصطفى النحاس ومكرم عبيد وسينوت حنا وعاطف بركات وفتح الله بركات إلى جزيرة سيشل.. مرض مكرم عبيد بالملاريا فقام مصطفى النحاس بالسهر والتمريض عليه.. ومن هنا كان العهد والوعد الذي أفسده القصر الملكي بالوقيعة بين القطبين.

قام أحمد حسنين باشا كبير الياوران في القصر الملكي بالوقيعة بين مكرم عبيد باشا والنحاس باشا، عبر ادعاءات على زعيم الأمة لا أساس لها من الصحة، انتهت بإصدار مكرم للكتاب الأسود، ورغم ذلك لما توفي مكرم عبيد باشا في يونية 1961 حزن عليه مصطفى النحاس باشا، وقال إن ضعف بصري لم يحزنني بقدر وفاة مكرم عبيد.

من الحكايات الأخرى..

حدث أيام 1928 أن إدارة البلديات أعلنت عن وظائف انتهت بنجاح أربعين متسابقًا والمطلوب اختيار السبعة عشر الأوائل من بينهم بالترتيب.. ولسبب غير معروف لم تعلن النتيجة.. فكتب أحد المتسابقين في الصحف يقول إنه منذ شهر تأخرت النتيجة.. فاستدعى النحاس باشا مدير البلديات، فرد وقال له: يا دولة الباشا.. الذين نجحوا فيهم عيب! فقال له النحاس: يعنى دول لم ينجحوا.. إيه العيب؟ فقال مدير البلديات: اتضح أن السبعة عشر الأوائل منهم اثنا عشر قبطيًا فاستشاط النحاس غضبًا.. وقال له كيف تقول هذا؟ أليسوا مصريين وكيف يقال ذلك في عهد وزارة الوفد الذي شعاره الهلال والصليب، وأمره أن يرسل الكشف وبه السبعة عشر موظفًا وتم تعيينهم.. لأنه لا فرق بين مسلم وقبطي عند النحاس، وهذا هو قانون الوفد الذي لا يتم تعديله.

أيضًا ما حدث عام 1928 مع تشكيل وزارة الوفد، فقد كان العرف يجرى بإقامة احتفال سنوي في موسم الحج بميدان الجيش بالعباسية، حيث يسلم أقدم لواء بالجيش المصري المحمل إلى أمير الحج، وتصادف أن كان أقدم لواء هو «نجيب باشا مليكة» القبطي.. فلم يجد النحاس باشا غضاضة في تسليمه لأنه لا فرق بين قبطي ومسلم.

هكذا كان النحاس مُحبًا لبني وطنه دون تمييز، فالمصري عنده هو المصري بغض النظر عن دينه.. رغم أنه كان مسلمًا ملتزمًا، وكان من مريدي مسجد الإمام الحسين رضي الله عنه، وليس جديدًا أن أعيد عليكم سرد الحكاية الشهيرة بينه وبين الأستاذ سعد فخري عبدالنور..

بعد يوليو 1952 تم تحديد حركة الزعيم مصطفى النحاس.. وكان مسجد الإمام الحسين من الأماكن المسموح له بزيارتها أسبوعيًا.. وكان سعد عبد النور، سكرتير عام الوفد فيما بعد، ونجل القيادي الوفدي البارز فخري عبد النور لا يرى النحاس إلا كل يوم جمعة في مسجد الإمام الحسين بالقاهرة.. وفي إحدى المرات قال سعد عبد النور للنحاس: يا باشا أنا مسيحي.. مش معقول كل ما أحب أشوفك لازم تجبرني أدخل جامع الحسين! فرد عليه النحاس مازحًا: «جرى إيه يا سعد إنت ماتعرفش إن مولانا الحسين كان وفدي»!!

هذه هي شخصية مصطفى النحاس باشا الذي قضى عمره يدافع عن الوطن وقضيته الوطنية، من خلال الوفد الحزب العريق الذي عشقه مثل روحه مستعينًا بالله.. متمسكًا بثوابته التي لا تختلف عن ثوابت كل المصريين المسلمين الذين كانوا يعملون نهارًا من أجل لقمة العيش، ويناضلون ظهرًا ضد الاحتلال ويزورون أولياء الله الصالحين تبركًا بهم.. ولكنهم كانوا شركاء لإخوانهم في الوطن وإن اختلفت الديانات.

اللهم احفظ مصر.. بتماسك المصريين.. نعيش في وطن واحد نحميه جميعًا بأرواحنا.. ونبنيه بسواعدنا التي لا تعرف التفرقة.

للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا

 

 In -t –  F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر  ولينكدإن لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية 

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى