نون والقلم

صبحة بغورة تكتب: إن لم تستح..

حملت الأخبار الموجعة للقلب أن الوزير الأول البريطاني الأسبق توني بلير سيقوم قريبا بجولة أوروبية لمحاولة اقناع العديد من الدول الغربية بقبول منح الموافقة على استقبال الفلسطينيين من أهالي قطاع غزة «كلاجئين» على أراضيها وهي محاولة يراها البعض مسعى «كريم» لإنقاذ شعب من خطر الإبادة والفناء!!

عندما أعطى من لا يملك من لا يستحق عام 1948ضمنت قوة عظمى لنفسها موطأ قدم استراتيجي هام في الشرق الأوسط بعدما سلبت الفلسطينيين أراضيهم وممتلكاتهم ثم حشرت بالقوة مكانهم أقواما من شتات الأرض في مناطق ليست حقا لهم ولم تكن يوما ملكهم.

وبرغم مرور عشرات السنين عرفت البشرية خلالها تطورا في المفاهيم ورقيا في الفكر السياسي يبدو من واقع الحال أن المستعمر باقي على حاله فكرا وسلوكا لم يتغير في شيء لأنه لم يستفد من دروس التاريخ ولم يتخذ من التجارب الإنسانية  السابقة درسا له أو عبرة، بمعنى لم يخجل من عرة تاريخه الاستعماري ومن موبقات تعاملاته وسوءاته القبيحة، فكانت المفارقة أنه تمت سرقة هذا الكائن الضائع الغريب من طرف قوة أخرى أكبر منه وأقوى تتشكل من خليط المهاجرين الأوروبيين استغلت الوضع لجعل هذا الكائن ـ ذراعا قويا لها، وشيئا فشيئا تدحرجت قيمة وأهمية من سبق أن أعطت لنفسها حق العطاء وفقدت مكانتها الريادية ولم يبق لها سوى اسمها.

لقد تلاعبت القوة الزاحفة على العالم من الأراضي الجديدة بأعرق الحضارات الأوروبية وجعلتها ألعوبة في يدها تسحبها وقتما تشاء لأداء أدوار غير منطقية فتراها تقوم بما تؤمر به وهي لا تعي ما تفعل إنما تفعل ما يراد لها ولو على غير قناعة، حدث ذلك في حرب غير شرعية لتدمير العراق وقتل الآلاف الأبرياء من شعبه وكذا من الجنود أبناء الطغاة الذين جرى اقتيادهم غصبا في أتون حرب لا يعلمون يقينا سببها ثم اتضح للجميع مدى حجم الكذب وذاقوا عمق الشعور الأليم بعار الفضيحة.

ومرة أخرى، تعود من لم تكن الشمس تغيب عن أراضي مستعمراتها في محاولة يائسة لاستعادة بريقها العالمي المفقود، تريد أن تؤدي دورا ما ولكن للأسف في الوقت الضائع، لقد أفاقت من غفلتها العميقة على معطيات أخرى تختلف تماما عن تلك التي تركتها قبل انكفائها على نفسها والدخول في سباتها، لذلك تتعامل مع معطيات الوضع الدولي الراهن بعقلية قديمة ووفق مفاهيم بالية وانطلاقا من أرضية ثقافية رثة وبعقيدة مضطربة وتريد أن تؤدي دورا يعيد لها كبرياءها الضائع في الطريق بين دهاليز قصر بكنجهام وبين أروقة مقر 10 داونينج ستريت الحكومي.

قد ترى بعض الحكومات الغربية أن التعامل الإيجابي مع المسعى البريطاني ــ الذي يبدو غير رسمي ــ ممكن التنفيذ وسيكون مفيدا لكونه قد يسهم في وضع حد لـ القضية الفلسطينية التي جرى استغلالها لعهود طويلة لاستنزاف قدرات الدول الأوروبية في دعم الكيان المستحدث والتي تكون قد ضاقت بانعكاسات أزمة لا أفق واضح لحلها، فيما قد ترى أخرى أن عدم التجاوب مع هذا المسعي سيعفيها من مواجهة تداعيات أزمة مستوردة عميقة لم تكن طرفا فيها ولا تطيق تحمل نتائجها، ويمكن أن تضر كثيرا بمصالحها مع الدول العربية، خاصة وأن هذا المسعي يتناقض مع القرارات الأممية الخاصة بالقضية الفلسطينية ويتعارض مع الإرادة الدولية.

والمعنى أنه مسعى بائس صادر عن طرف تعيس لا يزال يتصور واهما أن بإمكانه أن يواصل جهود التمكين للكيان الدخيل في ظروف لم تعد هي عالمه الماضي، ولكن إن لم تستح فافعل ما تشاء، والثقة الكبيرة في أصالة الشعب الفلسطيني تجعل الجميع مطمئن إلى صلابة الموقف الشعبي الفلسطيني في تمسكه بأرضه المدعوم من كل أخوته العرب.

للمزيد من مقالات الكاتبة اضغط هنا

 

 In -t –  F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر  ولينكدإن لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية 

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى