تبنى العلاقات الدولية على المصالح المباشرة أو غير المباشرة بين مختلف الأطراف في شكلها الثنائي أو المتعدد الأطراف، ومسألة أولوية المصالح على الحسابات السياسية والاقتصادية محل جدال كبير، فقد تحدد الحسابات المسبقة مصير هذه المصالح إما أن تعتمدها أو تلغيها وذلك وفقا لتقدير حجمها وطبيعتها بناء على تقييم القدرات الذاتية والإمكانيات التي يمكن توفيرها لتحقيقها.
هناك مقولة شائعة في مجال السياسة الخارجية والعمل الدبلوماسي والعلاقات الدولية «المصالح تتصالح» وهو كذلك فعلا، ومن الأشكال المتطورة من هذه المصالح المتصالحة علاقات التعاون الثنائي، علاقات الشراكة المحدودة، اتفاقيات الشراكة الاستراتيجية، والتحالفات، وتتعدد وتتنوع المصالح على حسب طبيعة مجالاتها، السياسية، الاقتصادية، الأمنية والعسكرية.. وتمثل الأطر القانونية لتأسيس هذه العلاقات التجسيد العملي لها في اتفاقيات تتضمن جملة التزامات موثقة وملزمة للأطراف الموقعة عليها، تحدد حقوق وواجبات كل طرف بما يحقق الغاية منها.
تستند غالبا المصالح إلى وجود قواسم أساسية كافية ويمكن أن تعتبر من قبيل الأرضية المناسبة لصياغة توافق قومي، أو تقارب مذهبي واندماج ايديولوجي، وذلك من أجل ضمان بلوغ مستويات عالية من التنسيق بين الدول في المواقف السياسية أو لتجسيد مظاهر حيوية من التكامل الاقتصادي، أو تطوير القدرات العسكرية من خلال التدريبات والمناورات المشتركة وتبادل التجارب والخبرات وتنظيم الندوات والمؤتمرات والدورات التكوينية والتثقيفية في المجال الأمني والعسكري التي تحكمها خلفية مذهبية مشتركة.
أصبحت القضايا الدولية الحساسة لا تطيق الانتظار أو التأجيل فسرعان ما تتأزم العلاقات وتبرز التحذيرات ثم التهديدات، والتصعيد حتى التلويح بالقوة العسكرية، وتلعب طبيعة المواقع الجيوـ استراتيجية لمختلف الأطراف المتحالفة دورا هاما في رسم معالم وآفاق التعاون وتحديد الأدوار في إدارة الصراعات.
وفي الغالب والأعم أن تكون هناك قوة سياسية ـ اقتصادية ـ عسكرية كبيرة هي التي تدير سيناريو الأحداث ، ولسنا بعيدين عن العالم العربي الذي تشرذمت فيه قوى نابعة منه تحت عباءات وعمائم وصارت حركتها كدوران الإلكترونات حول النواة كلما كانت مداراتها قريبة من النواة كلما كانت أشد، ولكنها ستكون بذلك قد رهنت إرادتها وربما مصيرها بالطرف المحوري، الحاصل الآن أن ثمة من يشتّم طبيعة المواقف ويدرس نقاط الضعف ليحدد واجبات الأطراف الحليفة معه بالشكل الذي يضمن التنسيق فيما بينها ويحقق التكامل لها في منطقة تحيطها ثلاث بحار ويجمع بينها قاسم مذهبي واحد.
يمتلك الطرف الأقوى حاسة شم كبيرة لتحديد مواقع الأزمات وأماكن الاضطرابات، ويتمتع برؤية واسعة تستند إلى جهود رصد ومتابعة جيدة لمختلف التحركات، وعليها يتم رسم حدود وحجم التدخل، ويضع لها صيغ الشعارات المناسبة لرفع الحرج وضمان الاستقطاب الشعبي حوله، لقد وجدت القوى المدارية عوامل بقائها في دعم القوة المحورية، ووجدت القوة المحورية في الأطراف المدارية عيون لها تمثل امتداد طبيعيا لبصرها. هكذا طبيعة المصالح عندما تتصالح.
للمزيد من مقالات الكاتبة اضغط هنا
In -t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر ولينكدإن لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية