الليل هو الوقت المناسب لرؤية الأعمال الفنية المشاركة في «منار أبوظبي» كونها أعمال تعتمد على الأضواء التي استخدمها الفنانون ليصلوا لرؤية جديدة في استخدام الضوء من خلال أعمالهم التي عرضت في أماكن مختلفة من العاصمة الإماراتية، فبعد حفل إطلاق الدورة الأولى من المعرض والذي أُقيم في نوفمبر الماضي، كشفت دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي، عن السلسة الثانية من الأعمال الفنية التكليفية الضوئية في إطار فعاليات «منار أبوظبي».
وقد توزعت على جزيرة جبيل وجزيرة السعديات، وجزيرة السمالية، حيث أضاءت أعمال خمسة فنانين هذه الجزر بالإبداع والضوء والأفكار التي تقف وراء كل عمل من هذه الأعمال، والتي كشف عنها الفنانون من خلال حديثهم لـ «نون» مؤكدين على ارتباط الضوء بكل ما حوله من موجودات.
رؤية مختلفة:
يعتبر معرض «منار أبوظبي» المستمر لغاية 30 يناير المقبل، محوراً رئيسياً ضمن مبادرة «أبوظبي للفن العام» التي دشنتها دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي هذا العام، لمنح أفراد المجتمع والزوار فرصة التفاعل مع هذه الأعمال الفنية، والتعرف على القوة التحويلية للضوء.
وقد بدأت جولة المرحلة الثانية من المعرض بالتعرف على عمل الفنانة التايلندية «رين وو» الذي جاء بعنوان «واحد مع التربة واحد مع السحابة» في وسط جسر خشبي يأخذ وضعه في مياه البحر الذي تظهر منه أشجار القرم في ممشى جزيرة جبيل، ليبدو العمل كشلال ضوء يظلل المكان وينساب من الأعلى وكأنه خيمة من الضوء.
ومثل هذه أعمال تبدو دائماً بحاجة إلى شرح من الفنان وهو ما فسرته «وو» قائلة: «العمل مصمم كي يرى الناس جمال الطبيعة الموجودة حولنا، وعندما نتحدث عن الطبيعة ممكن أن نتطرق إلى الرياح التي تتحرك والمخلوقات المائية من حولنا» وأضافت: «أمثل هذا من خلال العمل الذي يجعلنا نرى ما لا نراه عادة رغم أنه موجود، فالموضوع الذي أتطرق له هو الحياة وكيف ننظر إلى الحياة، فنحن كبشر نتأمل فيما حولنا، وهو ما حرصت عليه في العمل».
وتابعت: «عملت على تقريب جمال الطبيعة التي خلقها الله، من خلال الضوء وهو شيء لا يفسر، ولذلك يجعلنا نفكر بطريقة مختلفة».
أما الفنانة الإماراتية آلاء إدريس فلها رؤية مختلفة في التعامل مع الضوء تجسدت في عملها «النهوض» والذي يعرض في ممشى السعديات على جسر ممتد في البحر، ويمثل العمل استكشافاً غامراً للتساؤلات في نقطة يلتقي فيها الفن بالبنية الثقافية والهندسة المعمارية.
تذكر إدريس: «من خلال عدسة مستوحاة من الخيال العلمي، يقدم العمل إعادة تخيل سريالي لـ موقع ثقافي قيد الإنشاء، بحيث قدمت تصور جديد لجزيرة السعديات مع متحف جوجنهايم في الخلفية، أي بناء مشيد متأثر بجماليات المستقبل، المجهول، بشكل خط أفق له شخصية ديناميكية، متحركة ونابضة بالحياة».
وأضافت: «أما الحركة التشكيلية المستوحاة من دقة ونظام الكائنات الحيوية وشدة اللون الأحمر فيمثلان استعارة بصرية للدينامكية الكامنة في المشهد الفني المتطور باستمرار في المدينة».
كما أشارت إدريس إلى أن المدة التي تطلبها العمل وصلت إلى سنة وقد وضعت «بروجكتورات» في البحر لتعكس هذا العمل الفني بالشكل المتحرك الذي يراه الجمهور ليلاً.
اتجاهات:
جزيرة السمالية كانت المحطة الأخيرة للتعرف على المرحلة الثانية من «منار أبوظبي» وأول ما ظهر عمل الفنان الإماراتي محمد كاظم الذي جاء بعنوان اتجاهات وهو تتمة لسلسلة بدأ الفنان العمل عليها عام 1999.
أوضح كاظم: «لأول مرة أنجز عملاً بهذا الحجم ليضم الإحداثيات الجغرافية في الإمارات السبع ويكرس لعلاقة واضحة ومتجذرة وصاعدة بشكل أفقي، حيث بدأت أخلط الإحداثيات الجغرافية بين كل إمارة من إمارات الدولة في دلالة على التلاحم الحاصل على مدار الـ 52 عاماً أي ما بعد الاتحاد، وفي جميع النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها».
وأضاف: «يختلف العمل عن اللوحة التقليدية في الدراسة وبنية الشكل المختزلة، وقد عملت عليه أكثر لمدة سنة، حيث غيرنا المواقع وغيرنا التكوين إلى وصلنا إلى هذا الحجم».
وبين: «كنا نزور الأماكن ونرى البعد الهوائي والفراغ الذي يناسب المكان فهذه النوعية تحتاج إلى حرفية عالية ودقة كونها تنجز بمشاركة المهندسين المحترفين كونها ترتكز على قاعدة 7 × 6 أمتار بمترين من الكونكريت أما قطر العمل فيصل إلى 5 أمتار وارتفاعه عشرين متر. وممكن أن تجرى له صيانة دورية، فهناك باب يمكن أن يوفر الصعود لأخر نقطة في العمل المؤلف من قطعة واحدة يصل وزنها إلى 12 طن».
توهج:
الاطلاع على سلسلة من التركيبات الفنية التي أنجزتها المجموعة الفنية الدولية «تيم لاب» اليابانية، يتطلب المشي أكثر من ساعة في جزيرة المانغروف بالسمالية والتي تحولت إلى مساحة فنية ديناميكية، حيث يتفاعل الضوء والبيئة في سيمفونية من الألوان والأصوات.
من خلال أعمال حملت أفكار وتفاعلات مختلفة وهي «كوكب الجسميات النارية على الجزيرة» و«تردد صدى الحياة والأشجار» و«صدى الغابة المستقلة» وفي هذه الأعمال التكليفية الرئيسية يمكن «التجاوب بين العوالم الدقيقة – الألوان الصلبة للضوء» حيث تتوهج الأشكال البيضاوية من خلال هذه التحفة الفنية ويتردد صداها من خلال الصوت والضوء عند التفاعل من قبل الزوار.
في حين يتميز العمل الفني «تراقص الأعمدة مع الرياح»، بهياكل تتحرك في الهواء، لتستكشف الانسجام بين البنية والتدفق. بينما يمكن تلمس تأثير الأشكال البيضاوية الدائم، من خلال تغيير اللون والإيقاع، وتفاعلها مع المحفزات البيئية مثل الرياح واللمسات الإنسانية. وهو ما يعكس الهدف الرئيس لـ «تيم لاب» في تجاوز الحدود لإطار تصور الوقت، من خلال التفاعل بين الطبيعة والفن الرقمي.
أما العمل الأخير في المجموعة الثانية من «منار أبوظبي» فهو بعنوان «تيرابوليس» 2020 للفنان السعودي أيمن زيداني وهو عبارة عن فيديو يستكشف من خلال رحلة تجريبية للعلاقات البشرية في عالم يتجاوز الإنسان، خاصة في ظل العمليات الطبيعية مثل التحول والتغيير، في سعي لتوسيع الإدراك والتجارب حول استهلاك البشر للطبيعة والمساحات الطبيعية والبيئية في منطقة الخليج في هذا العصر.
ومن خلال خوارزمية رقمية كما يرى زيداني «تتحول هويات أكثر من خمسة آلاف إنسان إلى أشكال عضوية رقمية ضمن عملية محاكاة تعكس الحياة من منظور موازي وكل شيء هو تمثيل لفرد محدد يظهر في الفضاء الرقمي من خلال توظيف الخوارزمية كمعبر يطمس الفوارق بين أشكال الحياة في سبيل إحساس بصلة القرابة بين البشر والفصائل الأخرى، والتأمل في كيفية إعادة علاقة الإنسان بالأرض».
نون – أبوظبي – عبير يونس
In -t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر ولينكدإن لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية