كشف موقع إنترسبت الأمريكي عن وثائق تابعة لوزارة الدفاع الأمريكية تؤكد بأن المخابرات العسكرية الأمريكية موّلت خطة سرية استمرت لعدة سنوات، قام من خلالها الجيش الأمريكي باستخدام منظمة إغاثة ومساعدات إنسانية مسيحية واستخدم المتطوعين فيها كجواسيس في كوريا الشمالية، الدولة الأكثر استبداداً في العالم.
وبحسب ما ورد في التقرير فإن من بادر بوضع الخطة هو “ويليام جيري بويكين”، الذي كان مسؤولاً كبيراً في قسم الاستخبارات بوزارة الدفاع الأمريكية في فترة ولاية جورج بوش الابن عام 2004. ففي تلك الفترة كانت كوريا الشمالية أكبر التهديدات الأمنية المحيطة بالولايات المتحدة، وكانت صعبة الاختراق للغاية من طرف الاستخبارات الأمريكية، فالنظام فيها قد بنى منظومة صلبة تصعب على أي دولة في العالم جمع معلومات استخباراتية عنها.
وفي حديثه للصحيفة الأمريكية قال مسؤول سابق ومطّلع على الأمر في الجيش الأمريكي أن الإدارة الأمريكية “لم تكن تملك أي عميل لها في كوريا الشمالية” ولم تكن لديها “أي معلومة” استخباراتية عنها. لكن منظمة إغاثية أمريكية تدعى “المنظمة الإنسانية الدولية (HISG)” كانت تخطط لعمل مشاريع إنسانية لدعم الفقراء في كوريا الشمالية كانت المفتاح التي فتح باب خزنة المعلومات الاستخباراتية للإدارة الأمريكية.
ولم يعرف حتى الآن كم من مدراء هذه المنظمة كانوا على علم بالخطة الاستخباراتية المعدّة لهم، لكن قليل منهم فقط كانوا على علم بوظيفة “لكاي هيرامين” مؤسس المنظمة، ودوره الأساسي في مهمة التجسس الكبرى في كوريا الشمالية. إلا أن التحقيق الذي أجرته صحيفة الإنترسبت تضمن مقابلات مع أكثر من 12 موظف عسكري واستخباراتي حاليين وسابقين، وموظفين مساعدين في المؤسسة ومسؤولين رسميين في منظمة الـ HISG السابقة.
وإلى حين تم حل المنظمة وإنهاء عملها، تلقت 2 مليون دولار من البنتاغون الأمريكي عن طريق شبكة من المنظمات الوسيطة التي كان الهدف من تأسيسها هو إخفاء مصدر الأموال الممنوحة كي لا يكشف أمرها. وبحسب تصريح سام فرتنغتون، مدير شركة “إنترأكشن”، اتحاد 200 منظمة رفاه أمريكية، فإن استغلال المخابرات الأمريكية للعمل الإنساني لأهداف عسكرية وأمنية هو انحراف عن المجال المسموح للإدارة الأمريكية العمل به، واعتبر أن الطريقة التي تم فيها استغلال الموظفين وتحويلهم إلى “جواسيس” هو خرق للمبادئ الدولية، إلى جانب انها كانت تعرض حياة الموظفين هؤلاء للخطر.
ومن ضمن المقابلات التي أجريت خلال التحقيق كانت مع توم جنينغز، الذي عمل في الجناح الآسيوي للمنظمة، إذ قال في مقابلته إن كان يعمل في المنظمة دون أن يعرف أن المدير يتلقى تعليماته وتمويل المؤسسة من البنتاغون والاستخبارات الأمريكية. وأضاف موظفون سابقون أن المؤسسة كانت تقدم سلالاً غذائية ومعدات ومواد طبية في دول كثيرة حول العالم مثل مالي، أثيوبيا، كينيا وإيران واليمن والصين، مما يعني أن المؤسسة كانت تكبر وتتوسع لتمكّن من جمع معلومات استخباراتية من أكثر من دولة في العالم عدا عن كوريا الشمالية.
وقد أتى الكشف عن هذه التفاصيل ضمن برنامج يهدف تسليط الضوء على ممارسات الإدارة الأمريكية في واشنطن التي تنحرف عن مجالها الصحيح، إلى جانب نشاطات أجهزة الأمن التي تتعدى المسموح بالنسبة لها. ويذكر أنه في وقت سابق عام 2013 نشر برنامج “غرين وولد” وثائق تكشف عن أوامر سرية من المحكمة الأمريكية لشركات الاتصالات بتزويد جهاز الأمن القومي الأمريكي “نسخ يومية وبشكل مستمر” من اتصالات الزبائن، إلى جانب مراقبة المواد المتناقلة عبر الانترنت في أراضيها.