ستظل قضية الإصلاح هي الشغل الشاغل للسياسيين والاقتصاديين وكل المهتمين بالشأن العام، وهي قضية قديمة طرحت في مصر منذ منتصف السبعينيات بعد الانفتاح الاقتصادي الذي أعلن عنه الرئيس الراحل أنور السادات وامتد الحديث حول أولويات الإصلاح حتى الآن، وطرح سؤال مهم وقتها هل الإصلاح الاقتصادي أولا أم الإصلاح السياسي؟
ومنذ أيام تلقيت كتاب الدكتور هاني سري الدين القيادي الوفدي ورئيس لجنة الشئون الاقتصادية والمالية بمجلس الشيوخ، وأستاذ القانون التجاري بكلية الحقوق جامعة القاهرة، وعنوانه «إصلاح مصر.. بين الاقتصاد والسياسة» وتناول فيه هذه القضية بالتحليل وبرؤية شاملة تناولها في سلسلة مقالات نشرت في جريدة الوفد على مدار 3 سنوات، وتبلورت الرؤية عندما صدرت في الكتاب الصادر من مركز الأهرام للطباعة والنشر.
وعرض الدكتور هاني سري الدين رؤيته بأنه لا إصلاح اقتصاديًا إلا بإصلاح سياسي حقيقي. ويقول «أنا واحد من المؤمنين أن الإصلاح الاقتصادي والسياسي وجهان لعملة واحدة. لن تتحقق التنمية بمفهومها الشامل إلا بإصلاح اقتصادي مدعوم بإصلاح سياسي يراعى الظروف الآنية».
وهو الرأي الذي يتجه اليه أغلب المفكرين والسياسيين المؤمنين بالليبرالية والمدافعين عن حقوق الإنسان ورجال الأعمال، فهم يرون أن الإصلاح لابد أن يكون متوازيا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا ولا يجوز إهمال جانب لحساب جانب، فهي منظومة واحدة، إما أن نأخذها كلها أو نتركها كلها.
ورغم طرح الدكتور هاني نجاح بعض دول شرق آسيا في تحقيق تنمية عظيمة ولم تستند إلى نظام سياسي ديمقراطي، لكنه يرى أنها اعتمدت في نجاحها على تبني عناصر أساسية تتفق في جوهرها مع مبادئ النظم الديمقراطية، وإن لم تتفق معها في الإطار الخارجي، فكان لديها مثلا رؤى واضحة للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي، صاحبها خطة تنفيذية سنوية أولويات الإصلاح.
وهو طرح يجب أن يراعى كل من دعاة الإصلاح الاقتصادي أولا معرفته خصوصا أن في عمليات الإصلاح الاقتصادي مع الانغلاق السياسي يترعرع الفساد وينمو بصورة مخيفة ويطل علينا الفاسدون بكل بجاحة يتفاخرون بفسادهم ويعتبرون أنفسهم فوق القانون.
وبنت الصين نهضتها عندما قام ماو تسي تونج بحملة موسعة ضد الفساد وصلت إلى حد إعدام نائبه ولم يتردد في محاكمة قيادات حزبه في محاكمات علنية، وانطلقت الصين إلى نهضتها الكبرى وأصبحت نموذجا اقتصاديا، فهي ليست دولة ديمقراطية بمعنى أنه لا يوجد فيها انتخابات أو تداول سلطة وسجل حقوق الإنسان ليس على ما يرام، لكنها طبقت مبادئ الشفافية والحوكمة وكان لديها رؤية حقيقية للإصلاح لا تتغير بتغير زعامات الحزب الشيوعي أو قيادات الدولة.
كتاب إصلاح مصر مرجع مهم لمن يريد أن يفهم القضية الجدلية، خاصة وأن الكتاب أجاب في فصوله عن كل الأسئلة من بداية الفصل الأول الإصلاح السياسي وملحقاته، ومنها كفالة حقوق الإنسان وإطلاق الحريات العامة، ومنها حرية الرأي والتعبير والحق في نقد المسؤولين.
كما تناول في الفصل الثاني الاقتصاد والتنمية الشاملة ودور القطاع الخاص كشريك في مسيرة التنمية وإصلاح المؤسسات بمختلف أنواعها والعودة إلى الأدوار الدستورية لها. وتناول في الفصل الثالث التنمية الاجتماعية والثقافية ونقطة الانطلاق فيها التعليم والمعلم.
هذا الكتاب صدر في وقته ونحن مقبلون على انتخابات رئاسية، وستكون قضية الإصلاح أساس البرامج الانتخابية للمرشحين، والخطط التنفيذية لتطبيق هذه الإصلاحات على أرض الواقع. وأنا مع ما انتهى إليه المؤلف أنه لا إصلاح اقتصاديًا في مصر إلا بإصلاح سياسي شامل أساسه الدستور المصري والمواثيق التي وقعت عليها الدولة المصرية، وعلى رأسها مواثيق حقوق الإنسان واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
In -t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر ولينكدإن لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية