تحولت ندوة «أدب المقاومة» على وقع محنة غزة المنعقدة بملتقى الشربيني الثقافي بفرع شبين القناطر إلى تراشق بالأفكار والمعلومات، وجدل بين السياسة والأدب، شارك فيه أكثر من 25 مبدعا وكاتبا وناقدا وباحثا ومواطنين عاديين.
ومثلما هناك انقسام فلسطيني ناجم عن خلافات عميقة بين حركتي فتح (وهي الأصل في المقاومة،كون منظمة التحرير التي انشئت في الستينات هي المنظمة الأم ) وحركة حماس ( المقاومة المسلحة الإسلامية)، انقسم رواد ملتقى الشربيني وضيوفه المشاركين في الندوة بين مؤيد للمقاومة ( الأغلبية العظمي)ودورها البطولي في إعادة القضية الفلسطينية إلى الواجهة بعد أن كادت تموت وتندثر وظن العالم أنها خبت وخمدت، وأن الجسد الفلسطيني الذي أنهكته الاعتداءات – بالقتل واثخان الجراح، وتدمير البيوت واهلاك كل أنواع ومقدرات الحياة، باستخدام كافة فنون وأساليب ومهارات القتل والدمار الجماعي- مات وانتهي !
الحداد: حماس قامت بعملية غير مدروسة.. كيف هربت السلاح ولم تهرب الماء والغذاء والدواء؟
قال الباحث حسام الحداد – وقد كان والشاعرة أمينة عبد الله والقاص هاني منسي الأصوات الثلاثة المعارضة في الندوة – يضاف إليهما القاص هاني منسي -في الندوة لحركة حماس، كونها كما تقول امينة (وحسام أيضا) الذراع العسكري لجماعة الإخوان و لعملية طوفان الأقصى – التي وصفها الحداد بأنها غير مدروسة، وقال: كيف تقوم حماس بالتخطيط لعملية لا تعرف نتائجها وتدعي انها مدروسة جيدا؟ الم يكن حصادها حتي الآن الاف الارواح ( قولوا قتلي قولوا شهداء ايا كان ما تقولون ) ؟ كيف درسوا وخططوا كما يقولون من دون ان يضعوا في حسبانهم المياه والغذاء والدواء؟ حسبوا حساب السلاح فجلبوه بالتهريب عبر الانفاق، لكنهم لم يهتموا بالدواء ولا بالغذاء!
الوجوم والصدمة والدهشة ارتسموا على جباه الحضور، فأمعن الباحث المتحدث حسام الحداد – وهو متخصص في شئون الحركات الإسلامية- في تغذية هذه الصدمات وهذا الوجوم بقوله: ما ذنب المدنيين الأبرياء الذين قامت حماس بعمليتها فراحوا ضحايا لها. وأضاف: عندما اندلعت المقاومة في مصر ضد الاحتلال الأجنبي، لم نقم بالاعتداء علي مدني واحد!
ويبدو أن ذاكرة الحداد لم تسعفه بتذكر أن القوات الإسرائيلية في فلسطين هي كلها قوات احتلال، وأنهم جميعا ضمن حالة التعبئة العامة في الكيان.
الشافعي: شهداء المقاومة ثمن صغير لتحرير فلسطين.. وإسرائيل ليس فيها مدنيون فهي عصابات جيشت واستلبت لها أرض
ورد عليه الكاتب الصحفي ومؤرخ البطولات الأكتوبرية محمد الشافعي فقال إن الكيان أساسا عبارة عن عصابات تحولت إلى جيش منظم وعلى مدي سنوات دعمه من أميركا وأوروبا لتقويته (وفقا لبايدن فإنه لو لم تكن إسرائيل موجودة لاخترعناها!) واصطنع لهذا الجيش دولة! جيش الاحتلال الإسرائيلي هو جيش لدولة محتلة، تعلم تماما أنه لا حقوق لها في أرض فلسطين، لكنها حذت حذو المهاجرين من إنجلترا وأوروبا ونزلوا في أراضي الهنود الحمر الذين كانوا السكان الأصليين للولايات المتحدة، فأبادوهم واحتلوا أراضيهم واستعمروا هذه الأراضي، ثم صنعوا منها أميركا أعتى دولة احتلال واستعمار في العالم.
مدنيون أم جند صهيون؟
المدنيون الذي ضاق «الحداد» ذرعا بقتلهم وتعاطف معهم باعتبارهم ابرياء لأنهم ليسوا مسلحين، هم اساسا محتلون مغتصبون، كما قال الشافعي وكما قال الشربيني في كلمته، لقد اغتصبوا اراضي الفلسطينيين وطردوهم منها وشتتوهم وعلى مدي 75 عاما مضت وهم يمعنون فيهم القتل ويمارسون كافة فنون واساليب القتل وإثخان الجراح وتدمير المنازل واسر الابرياء العزل بلا هوادة. يقتلون الأطفال والنساء بشكل ممنهج خوفا من هزيمة ديموغرافية بالأساس، بسبب التفوق السكاني لأهل فلسطين.
كيف يكون الإسرائيليين الغزاة المحتلون الوافدون على أصحاب الحق الأصليين مدنيون؟ كيف وهؤلاء أساسا جزء من حالة التعبئة العامة حين أعلانها؟ كيف وجرائم المستوطنين بحق الأبرياء العزل من الفلسطينيين تملأ سمع وبصر العالم وتعرض على شاشاته كل لحظة، رغم اتفاقيات أوسلو. ورغم مفاوضات السلام، ورغم قرارات مجلس الأمن.. ورغم كل مبادرات السلام الأجنبية (حل الدولتين) والعربية (السلام مقابل الأرض) رغم كل هذا لم يتوقف المجندون الاسرائيليون يوما عن قتل أي طفل أو امرأة أو شاب او شيخ في أي مكان على أرض فلسطين؟
المدنيون الضحايا من هيروشيما إلى بحر البقر
وتساءل محمد عبد الباسط عيد وآخرون: وماذا عن المدنيين بالملايين الذين ضربتهم اميركا بقنابل نووية في هيروشيما ونجازاكي؟ ان نصف الخراب والدمار والقتل والجراح الناجمة، فضغطة زر على جوجل وحدها تعطينا تاريخا مشينا لا انتهاء له ووصمة عار في جبين الأميركيين.. الذين لم يتورعوا عن ضرب المدنيين في أي بلد ارادوا تدميره كما يقول الناقد والكاتب محمد عبد الباسط عيد مذكرا بما حدث من دمار للعراق وسوريا وليبيا وافغانستان من قبل.
ويضيف مؤسس ملتقى الشربيني الثقافي الكاتب محمود الشربيني بعدًا اخر باستذكار ما حدث من الإسرائيليين مع المصريين فيقول: وماذا عن آلاف المصريين الذين ضربوا بالنابالم في أبو زعبل وبحر البقر وأبو سلطان وبئر سبع وأم الرشراش!
المقاومة للاحتلال مشروعة وواجبة وضرورية، بصرف النظر عن الاثمان الفادحة لها، فاذا اعتبر «الحداد» أن العملية الحمساوية غير مدروسة لأن ضحاياها بلغوا نحو 9 آلاف فلسطيني، وأنها لا تعتبر نجاحا أو انتصارا أو عملية مدروسة فإن «الشافعي» يرد قائلا إنه ثمن قليل، وحتى لو كثير فلابد من دفعه ويضيف الشربيني: لا يمكن ان نتجاهل ان عملية طوفان الأقصى اعادت القضية الفلسطينية إلى واجهة الصورة في العالم بعد أن تصور أن المقاومة انتهت وانها لم تعد موجودة وان إسرائيل تمضي قدما في مسيرتها بلا تهديد.
ويعتبر «الحداد»- ومن قبله الشاعرة أمينة عبد الله – أن حماس هي ذراع الإخوان، وأنها إرهابية، وأنها بحكم انتمائها العقائدي لا يعنيها الوطن، وأنها صنيعة إسرائيلية، وأنها تنفذ مخططات إسرائيلية، وان هدف طوفان الأقصى هو الوصول إلى تهجير الفلسطينيين من غزة إلى مصر.
أمينة عبد الله: علينا ألا ننسي أن حماس منظمة إرهابية تابعة لجماعة الإخوان
ووجهت أمينة عبد الله نقدًا شديدًا للحركة كونها بالفعل وضعت مصر في موقف صعب وخطير، فكل حدود مصر من الجهات الأربعة ( سوريا وليبيا وفلسطين والسودان ) حدود ملتهبة، وأكدت أن ما يجري هو محاولة فيما يحذر محمود الشربيني من لحظة خطر قد تفاجأ بها مصر، وقال إنه تحت وابل من القصف العنيف واندلاع النار ولعلعة البارود الدائم في غزة قد لا يجد الغزاويون مفرًا من التدافع نحو المعبر، ويتحدون بإحساس تساوي الموت مع الحياة، فيصلون إلى حد اقتحام المعبر والوصول إلى مناطق تكون آمنة في مصر، وفي هذه اللحظة اما ان يفتح المصريون النار عليهم، فيتساوون امام العالم العربي والغربي مع القتلة الصهاينة المجرمين، او تصبح مناطق سيناوية غزة جديدة على ارض مصرية .
رؤية صحفي مصري يعيش في هولاندا
الكاتب الصحفي سعيد السبكي وهو صحفي سابق بالوفد ورئيس تحرير موقع تايم نيوز أوروبا بالعربي تحدث في بداية الندوة .. ولفت الانظار إلى ان ما يروج له الاعلام عندنا بشأن التعاطف -الشعبي- مع غزة ليس الا صورة مخادعة لا قيمة لها ، وان هذا ليس مؤثرا ، حتي اذا كتب كاتب غربي في صحيفة او موقع مقالا متعاطفا او منددا بتصرفات اسرائيل الهمجية فإن ما يكتبه يتم اجهاضه فورا ويحدث له تعتيم تام . وقال ان هناك في اروقة صناع القرار في هولندا شخصيات من اصول عربية لكنها لم تساهم في تقديم أي دعم للفلسطينيين، منهم نواب برلمان ووزراء وسياسيين. وهنا اختلف معه الحداد إلى حد الاشتباك الفكري، فيما اكد الدكتور محمد عبد الباسط عيد أنه لو لكان هؤلاء فعلا يمتلكون هذه القوة والنفوذ في هولندا لكانوا حكموا هولندا وليس مساعدة الفلسطينيين وحدهم .
دمار غزة.. يدمي قلب د. الحضري
وانتقل الحديث إلى عمق عنوان الندوة، فالناقد د. رمضان الحضري قال في مستهل مشاركته ان فلسطين هي جرحنا النازف وان إسرائيل دولة احتلال يجب مقاومتها بكل الوسائل، وان ما حدث يوم السابع من اكتوبر هو مثار فخر لنا جميعا . واضاف: رغم هذه العملية النوعية للمقاومة الا ان اغتيال الانسانية والبراءة والطفولة وهذه المذابح التي ترتكب بحق اهلنا في غزة تدمي قلبي فلا يعرف النوم طريقا لي.
أما ادب المقاومة ففي رأيي أن الاديب او المبدع يقاوم بكل السبل، الكتابة مقاومة، والتعبير، والمشاركة بالرأي ، مثلما نفعل هنا .. هذا دور المبدع.. وفي الكلمة شد للأزر ودعم للصمود ومقاومة للعدوان .
وقدم الشاعر والناقد الدكتور محمد السيد اسماعيل تأصيلا لفكرة أدب المقاومة ومتي ظهر فقال.. الإجابة في الحلقة الثانية غدا.
نون – القاهرة
In -t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر ولينكدإن لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية