نون والقلم

بسام عبد السميع يكتب: «اختبار غزة» محطة فارقة في تاريخ الأمة

أدت عملية «طوفان الأقصى» المجيدة التي انطلقت في السابع من أكتوبر الجاري إلى كشف التحالف العالمي لإبادة الفلسطينيين، ما وضعنا جميعاً في لجنة امتحان -لمرة واحدة- فإما نجاح يعقبه فلاح، وإما رسوب يعقبه خزى وخسران وعار في الحياة والممات، الامتحان يتميز بأن الوقت مفتوح، لكنه سينتهي في أي لحظة- وهنا تكمن الحكاية.

مئات الأطفال والنساء يستشهدون كل يوم بفعل الصواريخ والقنابل الصوتية والفسفورية الأمريكية والغربية، وتحت الأنقاض، ضمن أكذوبة دولية تقول: إنه حق الدفاع عن النفس الصهيونية، رغم أن «طوفان الأقصى» حق في الدفاع عن النفس والأرض والتاريخ والمقدسات الدينية.

أسئلتنا تطرحها «محرقة غزة» الجارية لإبادة شعب فلسطين بمباركة عالمية وعجز عربي يتفوق على الحراك الصهيوني.

إلى أي مادة يمكن تصنيف هذه الأسئلة أفي مادة «المشروع والممنوع من أنظمتنا السياسية»، أم يجب إدراجها ضمن المواد الشرعية لتقع في دائرة الحلال بين الفريضة، والواجب، والمستحب، والمكروه، أم تستقر في منطقة الحرام لتأخذ حكم المنهي عنه في قوله تعالى: «لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم»، أم هي أسئلة عامة لأنها من ضرورات الحياة والأخرة -لمن يؤمن بهما أو بإحداهما-.

تلقفت ورقة الأسئلة لرغبتي في فعل الإجابة، والإسراع بالخروج من لجنة الامتحان خوفاً من الارتباك والتوتر الذي يصنع غشاوة في العيون وراناً على القلوب، فقد أدركتها لحظات كاشفة لكل منا حاكماً أو محكوماً، فإما نجاة وإما هلاك.

ورقة امتحان الأمة الإسلامية والعربية

اختبار غزة- (أكتوبر 2023)

الوقت: أيام معدودة

تنويه: الإجابة ستكون في الواقع وليس على الورق.. والله هو الرقيب الشهيد.

-على من تقع مسؤولية تحرير المسجد الأقصى؟

-صف في عبارة لا تتجاوز 10 كلمات واقع وحال الأمة الإسلامية والعربية اليوم؟

-كم عدد الدول الإسلامية ومساحتها الجغرافية ولماذا تمت تسميتها إسلامية؟

-هل توافق على أن وجود «الصهاينة» في أرضنا العربية والإسلامية واقع لا يمكن تغييره؟

-صحح العبارة التالية: الغرب إسلام بلا مسلمين والشرق مسلمين بلا إسلام.

-اختار واحد من ثلاثة:

-إدخال المساعدات الإنسانية لـ«غزة» أعظم شيء تحققه الأمة.

– موقف الدول الإسلامية والعربية من احتلال فلسطين يشكل تاريخاً من الذل والضعف والعار.

– حالة المسلمين العرب تجاه «محرقة غزة» يصعب وصفها سلباً أو إيجاباً.

هذه الأسئلة زارت خواطري وملكت مشاعري، قائلة: إنها لحظة فارقة، فقلت: يا «غزة» إن أسئلتك تطاردني منذ عقود وحان اليوم مواجهتها بتساؤلات صادقة:

أنحن حقاً من المسلمين.. أنحن مسالمين أم مستسلمين.. أحقاً نحن من المسلمين الموعودين بنصر الله المبين؟

أنحن حقاً من المصدقين كلام رب العالمين: «ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين. إنهم لهم المنصورون. وإن جندنا لهم الغالبون»؟ وإن كنا حقاً مصدقين، فهل نحن الجند الغالبين؟ ومن إذن الخائفين المذعورين من الصهاينة الملاعين؟ أنحن حقاً مسلمين على ربهم متوكلين؟ أنحن حقاً أبناء المسلمين الفاتحين المنتصرين على الفرس والروم قبل مئات السنين؟

أهناك نسخة جديدة من نكبة ثمانية وأربعين التي أنتجت بلاد المجرمين؟ أنحن مطيعين أم مضيعين سنة رسولنا الأمين؟ أنحن مبصرين لأحداث الذل المهين؟ أنحن مدركين للغزاة القادمين؟ أنحن حقاً أبناء العرب الأكرمين الذين كانوا للحق مدافعين؟ أنحن حقاً صادقين أم كاذبين؟ أحقاً صرنا نحتاج إثباتاً أننا من سلالة المسلمين والعرب الأقدمين؟ أفينا الحكام المسلطين علينا بالعذاب المبين لأننا لطريق الحق أصبحنا مضيعين؟ أنحن حقاً ستشهد دماؤنا أننا للقدس ذاهبين بالملايين لإبادة الصهاينة القاتلين؟

فمن أنتم يا من تحملون لقب مسلمين؟ أنحن حقاً ملياري نسمة عاجزين عن الدفاع عن مليوني شخص في غزة؟

بحساب بسيط.. يصبح نصيب كل ألف من المسلمين حماية إنسان واحد من أبناء غزة المناضلين؟ فحتى هذا الفعل صرتم عنه عاجزين!

وفق ما أوردته الكتب، وتعلمناه في صغرنا ونردده ليل نهار أن الرجل الواحد من آبائنا الأوائل- إن كنا حقاً ذريتهم- كان يعادل أكثر من ألف رجل أشد ضرارة وقوة وكفراً من أعداء اليوم.. إنها معادلة تكشف حقيقتنا نسباً وتاريخاً وواقعاً!

السؤال البديهي: لماذا كانوا هم كذلك شجعان أبطال أعزاء شامخين؟ ولماذا نحن اليوم هكذا أذلاء ضعفاء يستهزئ بنا كل المجرمين؟

الإجابة التي أعرفها يقيناً: أن الأوائل من المسلمين كما ورد بنص القرآن الكريم: «رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه»، فكان لهم عز الدنيا ونعيم الأخرة.

بالمقابل، ووفق قاعدة بسيطة نعرفها جميعاً «بالضد تتضح الأشياء».. إذن نحن لسنا رجالاً ولسنا صادقين وليس لنا مع الله عهد.

أه يا أمة الشعارات والتظاهرات.. آه يا أمة الأقوال والنداءات والاجتماعات وضجيج التصريحات.. آه يا أمة صمت الأفعال.. آه يا أمة صنعت من الذل ثوابت النجاة مرددة: من خاف سلم.. ومن صمت نجا.. والقضايا لا يتم التعامل معها بالعواطف.. أصلك مش فاهم.. حكاية القدس والدفاع عنها مش بضاعتنا دي بضاعة الفلسطينيين.. خليك في أكل عيشك أحسن.. وكثير كثير باختلاف اللهجات واللافتات.

وتلمست الضوء فيما أورده الشيخ ناصر الدين الألباني في كتابه صحيح الترغيب باب التوبة والزهد برقم 3156 تحت تصنيف (حسن) فعن أبي ذر الغفاري رضى الله عنه قال: قال رسول الله -ﷺ-: من أحسن فيما بقي غُفِرَ له ما مضى ومن أساء فيما بقي أُخِذَ بما مضى وما بقي.

فهل سنحسن فيما بقي وهو غير معلوم إما لحظة، أو دقيقة، أو ساعات أو أيام نحصيها شهوراً وسنوات، وكلها ستمضي سريعاً كما انقضت سنواتنا الماضية.

وسؤالي لنفسي ولكم بماذا سيختم كل منا صحيفته وكتابه الذي سيحمله يوم لا ينفع مال ولابنون إلا من أتى الله بقلب سليم؟

واستدعى ما ورد أنه من مقولات الفضيل بن عياض الذي اشتهر بالورع في القرن الثاني الهجري إذ قال: من خاف الله لم يضره أحد، ومن خاف غير الله لم ينفعه أحد.

إن الخوف من الناس يجعلك تموت كل لحظة ذلاً ومهانة -ملايين من البشر كل يوم- ولن تأخذ إلا ما كتبه الله لك، وأما الخوف من الله فترافقه العزة لأنك ترى الجميع حينها لا شيء، فلا واجد ولا فاعل ولا مالك إلا الله.. هنا تصبح كل لحظة هي حياة كاملة.. حياة يفتخر بها تاريخ الإنسانية وسجلات النبلاء.. حياة عنوانها فرسان يحبون الموت فصاروا في وجدان الزمان قصة من الفخر، ورجال تعتز بهم الأرض على ظهرها وفي بطنها.

صبراً يا أهل غزة فنصر الله قادم وكم من عطايا وهبات كان غطاؤها محن وأزمات.. سيرحل الصهاينة الملاعين عن أرضك الطاهرة يا «غزة»، أذلاء مقتولين، والعز دوما بأبنائك المجاهدين، وإن شاء الله تفوزين برضا رب العالمين وفي جناته من الخالدين.. فكوني كما أنت لا تسألين أحداً إلا الله وكفى به وكيلاً وناصراً ومعيناً.

هذه إجابتي على «اختبار غزة -أكتوبر 2023».. أجيبوا أو لا تجيبوا فأنتم عن هذا محاسبين في يوم عظيم أمام مالك يوم الدين؟

للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا

 

t –  F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية 

أخبار ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى