نون والقلم

د. عادل رضا يكتب: الروس وطوفان الأقصى حقائق مهمة

هناك نقاط مهمة جدا تجاوب على سؤال حيوي له علاقة في الموقف الروسي من مساندة العرب في قضاياهم وأيضا بالنسبة لموقفها بما يختص في عملية طوفان الأقصى وتبعاته على الساحة الفلسطينية والعربية والدولية.

لقد شاهدت الجمهورية الاتحادية الروسية في حربهم العسكرية ضد أوكرانيا أنه لا يوجد أحد من الدول العربية يساندهم ويقف معهم ما عدا «الجمهورية العربية السورية»، فليس هناك دولة عربية أخرى على المستوى الرسمي تساند الروس ما عدا السوريين.

وأيضا الأقاليم التي ضمتها روسيا إلى أراضيها لم تؤيدها في ذلك أي دولة عربية ومنها شبه جزيرة القرم التي تم دمجه مع روسيا في العام 2014 ما عدا «سوريا» و«دولة السودان»، وحتى في مؤتمر القمة العربية الأخير الذي حضره الرئيس السوري د. بشار الأسد، تفجأ العالم وأيضا الروس بأنه تمت دعوة الرئيس الأوكراني! للحديث في تلك القمة! وهو ما اعتبره الروس «موقف عدائي» «غير مبرر» و«غير مفهوم» «منفعيا» بالنسبة للمصلحة القومية العربية، ونظرا إليه بـ «عدم الارتياح» وقرأوه على أنه «أمر سلبي» وانحياز للطرف الأخر الأوكراني.

ورغم كل ذلك لم تتخذ الجمهورية الروسية الاتحادية أي ردات فعل أضرت العرب.

هنا علينا أن نفهم كـ«عرب» على المستوى الرسمي والشعبي:

أن الحرب الروسية ضد أوكرانيا هي «حرب وجود» «روسية» وليست من الأمور السهلة التي سيتجاوزونها في هذه المرحلة، وخسارتهم العسكرية يعني «دمار الدولة الروسية» ودخول سيطرة حلف الناتو في كامل الجغرافيا الروسية من خلال النفوذ والسيطرة والتحكم بما سيؤدي لتفكك الجمهورية الروسية لدويلات صغيرة هشة ضعيفة لا تملك قرارها السيادي ولا استقلالها الحقيقي النابع من مصالحها القومية.

إن حلف الناتو حاليا هو يدفع بكل قوته الداعمة لأسقاط الدولة الروسية ومؤسساتها في مختلف أنواع الدعم العسكري والأمني والاقتصادي والدعائي الذي يتم تقديمه لأوكرانيا ضد الروس، الذين يعتبرون «تقدم» حلف الناتو إلى مناطقهم الحدودية مع استغلال الموقع الجغرافي الأوكراني هو بمثابة «حرب إبادة ضد القومية السلافية وباقي الأرض الأوراسية مع قومياتها التابعة لجمهوريتهم وأيضا ضرب للموقع الديني الأرثوذكسي.

إذن خسارة الروس لتلك الحرب يعني نهايتهم واسقاط دولتهم مؤسساتيا وبلعها ضمن الليبرالية الجديدة التي يتبناها بخباثة حلف الناتو مع برمجة اللوطية وإلغاء الشخصية القومية والدينية وخلط الأعراق وإلغاء دور العائلة والأب وغيرها من الإفطار الإبليسية.

والعكس هو الصحيح حيث مع كسب وانتصار الجمهورية الروسية هذه الحرب فأن في ذلك تأمين لجبهتها الداخلية، وضمان استقرار حدودها، ويتحول ما يتبقى من أوكرانيا «إن تبقى منها شيء!؟» لمنطقة عازلة فاصلة بينهم وبين منظومة الحلف الطاغوتي الربوي العالمي وأداته العسكرية الممثلة في حلف الناتو.

لذلك هذه الحرب ليست «لعبة» عند الروس وليست «نزهة» والوضع الروسي الداخلي لا يتحمل فتح جبهة عسكرية أخرى في موقع جغرافي مختلف، فالمسألة حياة أو موت، على العكس من الحلف الطاغوتي الربوي العالمي وآليته العسكرية الممثلة في حلف الناتو و«شلة» الدول الوظيفية التابعة، الذي في أسوأ أحواله فأنه سيعتبر خسارة الموقع الأوكراني هو «خسارة اقتصادية»، وليس ضرب في وجودهم الشيطاني على الكرة الأرضية.

علينا أن نفهم أنه هو عندما يشاهد الروس تفرق العرب وعدم اتحادهم وغياب تنسيقهم وتضاربهم في المواقف السياسية، فإنه مصلحيا وحسب حساباته القومية السلافية فلن يجد فائدة من دعم القضية الفلسطينية ومجمل القضايا العربية إذا كان هناك من العرب الرسميين يتأمرون ويتحركون مع أعداء العروبة!؟ ويخدمون في الموقف والحلف والانتماء الصهاينة، فليس من المنطق والعقل أن يكون السلافي الأرثوذكسي الأوراسي أكثر عروبة من العربي الرسمي.

صحيح إن الجمهورية العربية السورية لديها تصور محوري يريد أن يحشد القوة العربية من أجل فلسطين وهذا الأمر موجود ومستمر ضمن عقلية عاشها ويمارسها حزب البعث الحاكم هناك منذ أيام المرحوم حافظ الأسد، حيث حاولوا «لملمة» الموقف العربي الرسمي كـ «حالة موحدة» حيث نجحوا في مواقع زمنية وفشلوا في مراحل زمنية أخرى.

وسوريا القومية العربية البعثية الأصيلة قادت مشروع للتضامن العربي لتحشيد الأمة العربية في الطريق الصحيح وبذلت كل طاقاتها وحركات دبلوماسييها وسياسييها المحترفين لذلك الهدف، وحتى كان دور سوريا القومية البعثية محوري ورئيسي وأساسي في إنشاء «مشروع مقاومة الشر الصهيوني» من خلال الموقع الجغرافي اللبناني تنسيقا وترتيبا مع حليفها البديل عن إقليمها الجنوبي المصري الذي دخل مع الصهاينة في معاهدة كامب ديفيد.

الآن ضاع التضامن العربي وغاب التنسيق وهناك انشغال سوري في الحرب العالمية على أراضيها وغزو الأجانب الأمريكان والأتراك والبريطانيين والفرنسيين والألمان والصهاينة المتواجدين داخل الجغرافيا الوطنية السورية، ومع ذلك استمر الثبات السوري القومي العربي في الموقف والمبدأ والصمود، ولكن تظل سوريا «موقع جغرافي عربي واحد»، وفي غياب العرب عن الوحدة والتنسيق والتضامن فإن الروس السلاف لن يكونوا عربا أكثر من العرب أنفسهم.

إن علينا أن نقرأ الساحة الدولية وكذلك على النظام الرسمي العربي أن يعرف أن هناك زمان جديد وما بعد طوفان الأقصى ليس كما كان قبله، وأن هناك تراجع للحلف الطاغوتي الربوي العالمي عن مواقع سيطرته ونفوذه وهناك تنين صيني قادم ودب روسي متأهب ومجموعة اقتصادية عسكرية أمنية تتمثل بـ«دول البريكس» ستكون ضمن عالم متعدد الأقطاب، ومنها سيتم تشكيل دول جديدة ومواقع للحكم مستحدثة حسب مقاسات مصالح هذه الأقطاب.

وما حدث بعد الحرب العالمية الأولى من فرض الكيان الصهيوني كـ«قاعدة عسكرية» على حجم دولة فلسطين العربية المحتلة، أصبح في طريقه للزوال والنهاية بعد ما حدث في عملية طوفان القدس، وعلينا كـ«عرب» «رسميين» و«شعبيين» أن لا نشاهد المشهد الإجرامي الدموي في قتل الفلسطينيين وأطفالهم ونسائهم بدون رحمة ولا شفقة فقط .

بل أن نشاهد ما هو إيجابي على المدي الزمني القادم من سقوط فكرة استمرار وجود الكيان العسكري العنصري الصهيوني وانكسار «وهم الجيش الذي لا يقهر»، والموساد وأجهزة الاستخبارات التي تعرف كل شيء!؟ هذا كله سقط في مزبلة التاريخ وانفجرت فقاعات الوهم.

من الواضح أن استمرار وجود هذا الكيان في المدى الزمني المستقبلي أصبح من المستحيلات وطوفان القدس ثبت وحفر هذه القناعة كـ«وشم في الروح» فـ«فلسطين… كل فلسطين ستتحرر ليس ضمن خطاب عاطفي ولكن ضمن قراءة واقعية حركية تقرأ الحدث وتحسب أبعاد تأثيراته على كل واقعنا العربي، فقيادة الحلف الطاغوتي الربوي العالمي ممثلا في الولايات المتحدة الأمريكية ليست هي فإذا القوة والسيطرة والتحكم أيام غزوها الغير قانوني للأفغانستان والعراق».

إن جيش الولايات المتحدة الأمريكية المشغول في إلباس رجاله «المخصيين» في التنانير وأحذية الكعب العالي وترقيص جنودهم لن يكونوا في موقع رجولي للدفاع عن أرضهم الوطنية ناهيك عن دخولهم عسكريا في أراضي الأخرين.

ومن هو من العرب إذا ظل يعيش في زمان القطب الواحد «القديم» فإن الواقع الزمني القادم سيجرفه بعيدا إلى مكان مختلف.

لذلك جزء من الفهم المطلوب هو أن نقرأ كيف نستفيد من روسيا كـ«قوة إقليمية» في صراعنا الوجودي ضد الصهاينة، وأن نستغل حاجتها الوجودية هي أيضا ضمن مصالحنا العربية، ومن يخالف هذا الكلام فإنه سيعيش خارج التاريخ وأساسا لن يكون له دور في المستقبل، فكما قلنا ما بعد «طوفان الأقصى» ليس كما قبله، والأيام بيننا.

طبيب استشاري باطنية وغدد صماء وسكري

كاتب كويتي في الشئون العربية والإسلامية

للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا

 

t –  F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية 

أخبار ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى