نتفق أو نختلف.. ننتمي لهذا الحزب أو ذاك.. نعتنق هذا الفكر أو عكسه.. ننتمي لـ«الوفد» أو التجمع.. ننحاز لليمين أو لليسار.. لكننا – أبدًا – لا نختلف، جميعًا، حول التاريخ الأهم في كتاب بلادنا خلال العصر الحديث، وهو تاريخ انتصارات أكتوبر، هذا التاريخ الذي منحنا فرصة الحياة بكرامة، ومحو آثار الهزيمة المؤلمة.
حرب أكتوبر لم تكن مجرد معارك حربية جعلت مصر تستطيع استعادة الأرض المسلوبة من براثن احتلال لا يترك ما اغتصبه بسهولة، ولكنها الحرب التي تمكنت مصر بسببها من إعادة هيكلة نظامها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، فقد كانت تتجاوز محنتها بروح الانتصار، رافعة رأس الكرامة إلى أعلى السحاب، واثقة من قدرتها على العبور أيضاً إلى البناء.
ما أشبه الليلة بالبارحة.. فما زلنا في حاجة إلى روح أكتوبر، ومازلنا نبحث عن العبور إلى البناء ومواجهة أعداء المستقبل الذين يريدون لهذا الوطن ألا يراوح مكانه، وألا يخطو خطوة للأمام.
روح أكتوبر هي المُنقذ، وهي السبيل للاتحاد في مواجهة عدو خبيث يعيش بيننا، ويسعى لهدم كل حائط صد في مواجهة الإرهاب والتطرف والخيانة.
روح أكتوبر هي الاتجاه الصحيح نحو بناء مصر الجديدة الحديثة المتطورة المواكبة لعالم لا يرحم من لا يعمل.
روح أكتوبر هي التي تجمع المختلفين في الفكر والمنهج والحزب.. ولكنهم يتفقون حول الوطن.
الانتصار لم يكن نابعًا من الروح فقط، ولكنه نتاج الفكر والتخطيط والعلم والعمل الجماعي، وقوة دفع الشعب الذي حمى ظهر قواته المسلحة وهي تحارب العدو، فلم يجد الجيش طعنة من الخلف أو تشكيك في وطنيته وإخلاصه.
وأنت تتابع تفاصيل الحرب، التي تتكشف كل عام تفاصيل جديدة حولها، اقرأ الفاتحة على روح الرئيس العظيم محمد أنور السادات، صاحب قرار حرب أكتوبر، وقائد انتصارها، وبعدها، اسمع واقرأ ما قاله قادة تل أبيب، عن الحرب المجيدة، لأن شهاداتهم، اعتراف صريح بعبقرية العسكرية المصرية… اسمع شهادات «ديان»، وجولدا مائير، و«بيريز»، و«بيجين»، وقادة الوحدات العسكرية الذين خاضوا حربًا طويلة لأول مرة في تاريخهم، حرب بلا ضربة استباقية من إسرائيل، وبدون تخطيط مسبق منها، فكانت معركة اليد الطولى فيها لجيشنا البطل.. وفيها مناورات وبطولات لا نعرفها.. خاضها جنود وضباط الجيش المصري العظيم.
نقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» كما جاء في توثيق المجموعة 73، مؤرخين شهادة العقيد أمير رؤوبني، قائد الكتيبة 68، بأن سيناريو اندلاع حرب أكتوبر عام 1973 لم يكن متوقعًا بالمرة، مضيفًا أنه حتى يوم 6 أكتوبر نفسه كانت التوقعات بأن الحرب ستبدأ في السادسة مساء وليست الثانية ظهرًا.. وقال «رؤوبني» فوجئت في الثانية من ظهر يوم السادس من أكتوبر من خلال اتصال لاسلكي يعلن عن بدء قصف الطائرات الحربية المصرية لبعض الأهداف الإسرائيلية في سيناء مع مشاهدة للقوات وهي تعبر قناة السويس.. وأضاف القائد الإسرائيلي قائلًا: لقد صرخ أحد الأفراد من معقله على الجهاز: «لقد جاءوا إلينا.. سوف يذبحوننا»، بعدها انقطع الاتصال وبدأنا نواجه سيلًا عارمًا لا يمكن وصفه من القوات الجوية المصرية.
في مقابلة مطولة مع صحيفة «يديعوت أحرونوت» نشرتها، قبل أربعة أعوام، وترجمتها صحيفة «الشروق» المصرية، ألقى إيلي زعيرا، رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية «أمان»، خلال حرب أكتوبر، باللائمة على القيادة السياسية والعسكرية والمخابرات الإسرائيلية، التي قال إنها ارتكبت ما لا يقل عن عشرين خطأ تسببت في هزيمة إسرائيل في الحرب.
وقال: كنت أجلس هناك وأستمع إلى حماقات «جولدا»، و«ديان» ووزراء آخرين، فيما يتعلق بالعرب، فكانت جولدا مائير ترفض تصديق تصريحات القيادة المصرية عن ضرورة تحرير قناة السويس واقتحام خط بارليف، مضيفًا أنه لم يحاول تصحيح أخطاء «جولدا».. ونفى «زعيرا» أن يكون هو الوحيد الذي أخطأ في عدم التحذير من نشوب الحرب، وقال أنه رأى في شهر أبريل عام 1973 صورًا لعمليات تجديد في المطارات المصرية، وأن مخابرات القوات الجوية أخبرته أن هذه المطارات تحتاج إلى شهور حتى تصبح جاهزة للتشغيل العملياتي، وهو نفس ما كان يراه رجال شعبة الأبحاث في المخابرات العسكرية ويتبناه «زعيرا».
وأضاف «زعيرا» أنه لو كان قد حذر الجيش من نشوب الحرب، ولم تندلع لكانوا قد اتهموه بالغباء. صحيح أنه كانت هناك مئات المعلومات عن قرب الحرب لكن كان في المقابل هناك آلاف المعلومات التي تقول إنها لن تندلع.
أيها المصريون.. جيشكم عظيم.. وانتصاره في أكتوبر يستحق رصدًا موثقًا يكشف حجم التضحيات وأهمية التخطيط وروح الشعب الذي التزم الصبر واثقًا في قيادته!
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأ خبار المحلية