غدا 23 أغسطس ذكرى زعماء الوفد سعد والنحاس وسراج الدين. وهو يوم الدليل على الوفاء لمبادئهم وتراثهم ومواقفهم التي لم تتبدل أو تتغير. فقد تركوا مؤسسة سياسية تجاوزت المائة عام من العمر، أعمدتها المبادئ وسقفها التراث الذي يُظل اسم الوفد الكبير.
الوفديون.. دائمًا يقولون أنهم أصحاب فكرة وليسوا أعضاء حزب! كلام قد يبدو غريبًا من أبناء التنظيم السياسي الأعرق في الشرق الأوسط، ولكنه كلام واقعي، يعبر عن انتماء لفكر وعقيدة سياسية وليس ارتباطًا عضويًا بتنظيم حزبي.
وهذا هو السبب الرئيسي لشراسة دفاع «الوفديين» عن حزبهم، في الأوقات الصعبة، وهو السر الحقيقي وراء عدم انتماء الوفدي لحزب آخر، إذا انتهت العلاقة التنظيمية بينه وبين الوفد، والتي تنقضي غالبًا بالفصل، وأحياناً بالاستقالة لأسباب قهرية!
هذه المقدمة الضرورية هي محاولة لفهم سبب تركيز صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية منذ سنوات قريبة على مصطلح «الوفديين» باعتباره مصطلحاً مهما ومعبرا، فهو يدل على وجود صفة وموصوف وبينهما تفاصيل، فالعقيدة لا تولد في ليلة، ولكنها تنشأ بعد سنوات من المواقف، والصعاب، وحب الوفد، والدفاع عنه، وحمايته من تغيير هويته وأهدافه، وحفظ مبادئه، وجعلها تضىء طريق الصعاب.
فالوفدي يبقى وفديًا حتى الممات، ولا يتنازل عن انتمائه مهما طال الزمن؛ ولذلك سيبقى الوفد حيًا ما بقي الوفديون، وطالما ظلوا أصحاب عقيدة، يتواصلون ويتناقشون ويتفاهمون، ولا تنقطع هذه الصلة بينهم على مر السنين. وهذا التواصل هو الذي حمى الوفد من الانقراض، وجعله يعود إلى الساحة بعد غياب 25 عامًا من الإلغاء الرسمي، وعقب سنوات أخرى من البطش والتنكيل.. وهنا لابد أن نحكي كيف أعاد فؤاد سراج الدين الوفد للحياة السياسية بعد رُبع قرن من الغياب.. تعالوا نحكي الحكاية!
ربما لا يكون لفؤاد سراج الدين زعيم الوفد الثالث، علاقة مباشرة بثورة 1919، فقد كان عمره وقتها تسع سنوات، وفي أقوال أخرى خمس سنوات فقط، ولكن المؤكد أن فؤاد سراج الدين، هو صاحب الفضل الأول فى إعادة «الوفد» الحزب المُعبر عن ثورة 19 ونضالها، إلى الحياة السياسية، بعد غياب أكثر من 25 عامًا، رغم ما لاقاه قيادات الوفد، من اضطهاد، وتنكيل عقب يوليو 1952.
ما كان يواجهه فؤاد سراج الدين مع الوفد قبل 1952 لا يمثل شيئًا فيما واجهه الرجل بعد ذلك.. لقد قاوم التشريد والمحاكمة والاعتقال لسنوات طويلة كانت كفيلة بالقضاء عليه وعلى الوفد، ولكنه وقف صامدًا مناضلًا ليس له سوى هدف واحد هو العودة بالوفد إلى الحياة.
كانت بداية متاعب الرجل هي محكمة الثورة التي استهدفت سمعته وتاريخه، لكنها فشلت في إدانته، ليخرج منها كما دخلها، السياسي النزيه، الذي تولى المناصب الكبرى في حزب الأغلبية وفي الحكومة، الذي لم يتربح من العمل العام، فخرج من جلسات المحاكمة أقوى مما كان عليه، واقفًا، شامخًا، رافعًا رأسه وسط الناس، لكن تمت مصادرة أمواله وأراضيه وأرصدته، حتى ينشغل بلقمة العيش ولا يفكر في غيرها، ويترك السياسة. وبالفعل انشغل بالبحث عن مصدر رزق بعد مصادرة أمواله، لكن كل هذا لم يمنعه من التفكير في مصر والوفد!
صحيح اضطر سراج الدين للعمل كخبير تحف ومجوهرات كي يكسب رزقه.. وكان هذا العمل يأخذ منه وقتًا طويلًا، لكنه لم يتوقف عن الاتصال بالوفديين الذين يعرفهم شخصيًا من الإسكندرية إلى أسوان. وحتى أعلن عودة الوفد للحياة السياسية فى 23 أغسطس عام 1977.
لقد فعلها الرجل وأعاد الوفد بمعجزة، وحافظ على ثورة 1919 من الاندثار، والتحول إلى مجرد ذكرى مثل غيرها، فحافظ على حزبها التاريخي، عبر الاتصال بكل الوفديين الذين كان على تواصل معهم كل هذه المدة، وقال لهم: «حى على الجهاد» فقالوا له: «يحيا الوفد».
الوفديون تعلموا الدرس من الزعيم الثالث لـ«الوفد»، وصاحب الفضل الأول فى عودته للحياة السياسية، وأهم هذه الدروس هو أن الوفد ليس مجرد حزب، هو تراث وطنى يستحق الحفاظ عليه، ويستحق أن يدفع أبناؤه كل الأثمان حتى يظل واحة واسعة لـ«الليبرالية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والوحدة الوطنية والتحرر الوطني».
سنحافظ على التراث.. سنبقى وفديين.. لا نتغير، ولا نتبدل.. والله أعلم بما فى القلوب قبل العقول!
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية