«يجب أن تموت المجر لكي تعيش أوكرانيا» هذه هي خلاصة مقال منشور بتاريخ 18 أغسطس 2023 في مجلة «غلوباليست Globalist»، وهي لسان حال الحكومة العالمية وقطع الشطرنج التي التي تدور في فلكها من أمثال حلف شمال الأطلنطي (الناتو)، وصندوق النقد الدولي وغيرهما.
وشارك في كتابة المقال الذي يحمل عنوان «الناتو وخروج أوربان،(والمقصود هنا هو فيكتور أوربان رئيس وزراء المجر)، اثنين من كبار الكتاب السياسيين ومحللي مراكز الأبحاث المقربين من دوائر صنع القرار في واشنطن هما اليكسي باير وستيفان ريختر، أنه طالما أن جولات المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا والتي استضافت المملكة العربية السعودية أحدث جولاتها انتهت إلى طريق مسدود، لأن شروط السلام التي وضعتها روسيا مرفوضة جملة وتفصيلاً من جانب أوكرانيا التي تري أن الاستجابة لمثل هذه الشروط يعني فعليا إعادة أوكرانيا إلى ما كانت عليه إبان الحكم الشيوعي للاتحاد السوفيتي قبل سقوطه عام 1991 وتحويلها إلى مستعمرة روسية.
وحتى يمكن التغلب على هذا الجمود وإطفاء أتون الحرب التي تقود العالم تدريجيا إلى حرب عالمية ثالثة يكون فيها استخدام السلاح النووي أمر شبه مؤكد، يقترح المقال ضرورة اتقاء شر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والذي كان قد طالب حلف الناتو في بداية الأزمة بالانسحاب إلى الحدود التي كان عليها الحلف عام 1997، أي بعبارة أدق قبل انضمام دول أوروبا الشرقية إلى الحلف.
وحتى ينفخ الحلف نسمة الحياة في الفكرة المسمومة، يقترح الكاتبان أن يضحي حلف الناتو بدولة أو اثنتين من دول أوروبا الشرقية لتقديمهما إلى الرئيس الروسي على طبق من ذهب ويا حبذا لو كانت المجر في مقدمة هذه الدول!
ولكن لماذا المجر تحديدا؟ فهذه الدولة التي لعبت أدورا هامة عبر التاريخ، لم تبدأ الحرب في أوكرانيا، ولم تكن طرفا فيها، ولم تقم باحتلال أو غزو اراضي دولة أخري، ولا حتى تساند الموقف الروسي.
والإجابة ببساطة هو أن التضحية بالمجر ليس لها علاقة بموقف المجر من الحرب ولا بكراهية مستحكمة بين المجريين وبقية الشعوب الأوربية وإنما لأن رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان الذي يغضب اليهود وأنصار المثلية الجنسية ليس على مقاس المذاق الغربي.
وبالطبع فان الناتو لا يهدف فقط من وراء تقديم المجر قربان على مذبح الشيوعية استعادة الأمن والسلم الدوليين أو أرضاء الدب الروسي الغاضب، وإنما أيضا فرض التغيير السياسي بالقوة على المجر لإزاحة رئيس وزرائها المنتحب عن السلطة، لأنه يقف حجر عثرة أمام المغامرات الغربية التي تقودها الولايات المتحدة ويقول لا عندما تتعارض هذه المغامرات مع مصالح بلاده وأمنها القومي. وهذه المغامرات التي صنعت في امريكا تذكرنا بثورات الربيع العربي التي ألقت العديد من الدول العربية في براثن الفوضي.
وبحسب المقال فإن مجرد طرح فكرة تقديم المجر قربانا على مذبح بوتن سيعيد أشباح وكوابيس الحكم الشيوعي في المجر الذي سحق مئات الآلاف من خيرة شباب الثورة المجرية عام 1956، وسلم مئات الآلاف منهم إلى زبانية التعذيب، تحت قيادة يوري اندربوف الذي يسميه المجريون «سفاح بودابست»، وإلى أصبح لاحقا السكرتير العام للحزب الشيوعي السوفيتي.
ومن خلال إثارة هذه الكوابيس والأشباح يأمل الناتو في أن يثور المعسكر المجري المعارض لحكم أوربان في المجر ويطيح به للحيلولة دون تنفيذ هذه الخطة الشيطانية، وبالتالي إعادة المجر إلى بيت الطاعة الأوربي والالتزام بقواعد التهذيب والإصلاح الغربية.
وهذه الأفكار الغبية تذكرنا بما حدث في العراق، فمن ناحية الأخذ بها يعني العودة إلى عصر تدبير الانقلابات وافتعال الثورات والتدخل في الشؤون الداخلية للدول.
ومن ناحية أخري فإن الآخذ بهذه الأفكار التي عفا عليها الزمن لا يعني فقط أن حلف الناتو يرسل برسالة خاطئة في وقت حرج مفادها أنه على استعداد للتضحية بأمن أعضائه بدلا من الوقوف صفا واحدا للدفاع عنهم، وأن فصائل وأجنحة الحلف في حالة حرب مع بعضها.
وأخير وليس أخرا فان السير وراء هذه الأفكار المسموعة يعني أن الغرب لم يتعلم من أخطاء الحرب العالمية الثانية عندما ظن بسذاجة أن تقديم النمسا وتشيكوسلوفاكيا وغيرهما من دول أوروبا الشرقية إلى الزعيم النازي أدولف هتلر سوف يشبع نهمه ويلهيه عن ابتلاع بقية دول القارة الأوربية ليكتشف لاحقا أن ما فعله كان هو السبب الحقيقي وراء إشعال جنون هتلر ليحرق العالم.
نائب رئيس تحرير الوفد
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية