نون والقلم

د. عادل رضا يكتب: معركة كربلاء الجديدة؟!

تعود ذكرى معركة كربلاء وهي ثورة المجد العربي الأصلية لتتجدد ولتنطلق معها عمليات الإحياء ونحن مع هذه الذكرى الخالدة والتي «لا» تعيش فقط لحظتها الزمنية «القديمة»، بل تنطلق بكل لحظات الزمن الجديدة اللاحقة لتعيش الموقف والمبدأ مع كل ما يخالف الإسلام، لأن خط الحسين هو خط الإسلام ومنهج القرآن.

ومن يحاول أن يلبس الحسين بن على عليه السلام أي ثوب أخر، فهو عدو للحسين وليس موالي له، وإن كانوا يحتلون مواقع متقدمة لمراجع تقليد في النجف أو في مدينة قم أو أي مكان أخر، لا يهم الموقع أو الشخص أو حتى إعداد من ينحرفون عن الإسلام باسم الحسين بن على عليه السلام، وهو منهم كلهم براء إذا ما تحركوا ضد نصوص القرآن الكريم وسنة رسوله وانطلقوا بعيدا ليجعلوا من خط الولاية «أمر مختلف» لا علاقة له في أهل البيت عليهم السلام وهم المنهج الحركي التطبيقي للقران الكريم، وعبيد لله رب العالمين، ومخلوقاته.

إن أي موقع لا يقاوم «قتل الحسين باسم الحسين» هو «موقع يزيدي» وإن رفع رايات حسينية، فالمسألة ليست عواطف وبكائيات بل «شعار وفكر وحركة»، وهو مثلت الإسلام إذا صح التعبير، وناقشت تلك المسألة في كتابي «الدين ضد الدين» لم يريد التفصيل.

أن تعشق أي شخص في الحياة هو ان تذوب فيه، وأن تكون معه متوحدا، وهذا العشق هو مرحلة اعلى من الحب، ومن هذا الباب نسأل: هل قضية الإمام الحسين بن علي عليه السلام عندما نحاول إعادة ذكراها وإحيائها من جديد، هل نحن نعرف هذا الإنسان لكي نعشقه؟ هل نعرف الحسين لكي نحبه؟ إذن بدون معرفة «لا» حب حقيقي و«لا» عشق واقعي.

إن المعرفة تصنع الإيمان والتصديق ومنها البداية لصناعة الشخصية المؤمنة ذات التقوى، ومنها نتحول لنصبح المحبين للخط وليس الشخص، فهذا الحسين بن علي «ولي الله» لكي نعشقه علينا ان ندرسه بما يمثله من تطبيق حركي للإسلام وبما يحمله من موقع كـ «عبد» لله رب العالمين، وضمن موقعه التنفيذي الولائي القرآني، فمن يريد أن يعشق الحسين عليه أن يكون إسلاميا قرآنيا يريد أن يعيد إحياء الهدي النبوي في خط التطبيق كما قام بذلك الحسين بن علي عليه السلام.

يقول ريبر هبون: «إن المعرفة هي البديل عن التعصب الديني والمذهبي والعرقي والإفلاس الأيديولوجي. إنها الحالة الطبيعية التي تستطيع إن وجدت أن تتماشي مع الطبيعة الإنسانية في توافق تام. ويراهن «ريبر هيون»: على المعرفة كسلاح قوي له نجاعته في كل الأزمنة وعلى المعرفيين كبناة للعالم. فاعلين ومؤثرين في حركة التاريخ».

«وأن الحركة في الكون وصيرورته خاضعة لقانون حتمي يتجه إلي أعلي مراتب التقدم. إلى قمة التطور. إلى تحقيق المطلق. أي تحقيق العقل الكلي (أو الفكرة أو الله) في العالم وتحقيق العالم في العقل».

إن قضية الحسين بن علي هي قضية الإسلام والإسلام فقط، وكل ما يخالف الإسلام هو عدو للحسين ولقضيته و«لتجربته» الثائرة.

﴿71﴾وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ

ان الحسين بن علي عليه السلام، كـ «قيمة تاريخية» وكـ «شخصية إسلامية مقدسة» من خلال موقع الولاية القرآنية الذي تحتله، هو يمثل حالة تطبيقية للإسلام من خلال كونه نموذج حركي تنفيذي عاش التكليف الشرعي لأقصى مدى أوصله للشهادة ضمن قوانين الواقع وكمنتوج لوجود وتواجد لعقد المجتمع العربي «الجاهلية» التي كانت «لا» تزال تعيش بداخل هذا المجتمع بدون أن تكون فيها العمق من التقوى الدينية والإيمان المرتبط مع نصوص القرآن الكريم.

إن الإمام الحسين بن علي عليه السلام واجه منعطف خطير في تاريخ الإسلام، ضمن موقعه الأمامي و كـ «جزء» من تكليفه الشرعي، وهذا المنعطف يتميز أحد جوانبه أنها كانت محاولة ثورية انقلابية ثقافية دينية، تحمل النص الإلهي القرآني من النظرية للتطبيق كما اسلفنا سابقا، وهي محاولة مجيدة في تاريخنا العربي و الإسلامي، انهزمت في معركتها اللحظية، ولكن امتدت في تأثير رسالتها على مدى الزمن كله لكي تكون كل أرض كربلاء وكل يوم عاشوراء، بمعنى أنها مطالبات في تفعيل التقوى الإيمانية المرتبطة مع النصوص الإلهية المقدسة الصانعة للحياة و المتمثلة مع نصوص الكتاب المقدس للقرآن الكريم.

يقول المرحوم الإمام روح الله المصطفوي الخميني: «لقد علّمنا سيد الشهداء ما ينبغي فعله في مواجهة الظلم والجور والحكومات الجائرة. فمنذ البداية كان (سلام الله عليه) يعلم طبيعة الطريق الذي اختاره وأنه ينبغي له التضحية بجميع أهل بيته وأصحابه من أجل الإسلام.

وكان يعلم نهايته أيضاً. ولو لم تكن هذه النهضة، لو لم تكن نهضة الإمام الحسين-عليه السلام-لتسنى ليزيد وأتباعه خداع الناس وتعريفهم بالإسلام بشكل مقلوب. إذ أنهم لم يكونوا يؤمنون بالإسلام منذ البداية وكانوا يضمرون الحقد على أئمة المسلمين ويحسدونهم. إن تضحيات سيد الشهداء وأهل بيته وأصحابه، هزمت الحكم الأموي، إذ لم يمض وقت طويل حتى تنبه الناس إلى عظمة الفاجعة والمصيبة التي ارتكبت بحق آل بيت الرسول، وقد أدّى ذلك إلى قلب الأوضاع ضد بني أمية. كما أوضحت واقعة كربلاء للإنسانية على مرّ التاريخ، طريق العزة والكرامة، وعلّمت الأحرار كيف تنتصر قوة الإيمان على السيف والأعداء مهما كان عددهم وعدتهم.

ما هو واجبنا على أعتاب شهر محرم الحرام؟ وما هي رسالة العلماء الإعلام والخطباء والوعاظ الموقرين في هذا الشهر؟ وما هي مسؤولية فئات الشعب الأخرى؟ لقد علّمنا سيد الشهداء وأصحابه وأهل بيته واجبنا ومسؤولياتنا: التضحية في الميدان، والإعلام خارج الميدان. فبقدر قيمة وعظمة تضحية سيد الشهداء عند الله تبارك وتعالى ودورها في توعية الأمة، تركت خطب الإمام السجاد والسيدة زينب تأثيرها في نفوس الناس.

إذ علّمنا الإمام الحسين وأهل بيته بأن لا تخشى النساء والرجال مواجهة الطغاة وضرورة التصدي للحكومة المستبدة. إن السيدة زينب (سلام الله عليها) واجهت يزيد ووبخته بشكل بحيث لم يسمع بنو أمية مثل هذه التوبيخ طوال حياتهم. كما إن ما تحدثت به في الطريق إلى الكوفة وفي الشام، وخطبة الإمام السجاد (عليه السلام) في مسجد الكوفة، أوضحا للناس بأن القضية ليست قضية خوارج وخروج على سلطان زمانه خليفة رسول الله، مثلما حاول يزيد تصوير نهضة الإمام الحسين (عليه السلام)، حيث كشف الإمام السجاد عن دوافع موقف الإمام الحسين وكذلك فعلت الحوراء زينب.

لقد أوضح لنا سيد الشهداء واجبنا: إلا نخشى قلة العدد في ميدان الحرب، وأن لا نهاب الشهادة. فكلما سمى فكر الإنسان وهدفه، زادت معاناته بالمقدار نفسه.

إن الحسين بن على عليه السلام انتهت تجربته التاريخية ولحظة شهادته وأصبحت نموذج وهي لم تكن حالة شخصية او رغبة عشائرية او تمنيات للصعود الذاتي لعائلة أو مجموعة، ان المسألة كانت خط للولاية يتحرك كـ«قرآن ناطق»، وهذه التجربة هي درس وأيضا كانت جرس انذار صادم كشف تناقض و«ديالكتيك» العمق الجاهلي للمجتمع العربي الإسلامي الذي يعيش الإسلام كـ«حالة شعار» وليس انتماء ثقافي عميق.

وهذا ما يؤكده ابنه الامام زين العابدين في كتابه الثابت السند في الصحيفة السجادية: «اللهم صل على محمد وآله، ووفقنا في يومنا هذا وليلتنا هذه وفي جميع أيامنا لاستعمال الخير، وهجران الشر، وشكر النعم، واتباع السنن، ومجانبة البدع، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وحياطة (15) الاسلام، وانتقاص الباطل وإذلاله، ونصرة الحق وإعزازه وإرشاد الضال، ومعاونة الضعيف وإدراك اللهيف (16) اللهم صل على محمد وآله».

هذا هو خط اهل بيت النبوة وهذا هو منهجهم، وهذا هو الحسين بن على وتجربته وتلك هي كلمات ابنه المعصوم الامام زين العابدين عليه السلام، لذلك نقول ونؤكد: ان كل ما يقام خلاف الإسلام من لطم وتطبير وزحف ومشي في الطين ومشي في النار ومواكب وبكاء ولبس سواد ورقص وغناء ومراسيم فلكورية وحكايات اسطورية وخرافات ليست أمور شرعية و«لا» حالة إسلامية وليست لها له علاقة في اهل بيت النبوة عليهم السلام.

ان الحسين بن علي عليه السلام هو «لنا» تحن المؤمنين المتدينين القرآنيون الساعون للحركة على الهدى النبوي والسنة الشريفة الثابتة السند القوية المتن المتطابقة مع نصوص التنزيل.

وتأثيرات خارج هذا السياق هي أمور نرفضها ولا نوافق عليها وهي أشياء ضد الإسلام أي ضد الحسين بن علي عليه السلام وهو التطبيق الحركي التنفيذي له.

يقول استاذنا الدكتور الشهيد علي شريعتي في كتابه الحسين وارث ادم: «الحسين وارث.. وارث ادم ووارث نوح.. يعني ان اللواء الذي ارتفع منذ فجر التاريخ وانطلق بيرقا للحقيقة عبر مراحل التاريخ قد وصل الان بيد الحسين.. الحسين وارث إبراهيم، وارث موسى، وارث عيسى، وارث محمد صلى الله عليه وإله وسلم».

فثورة الحسين ليست المعركة الأخيرة وليست النهاية لكل شيء.. لأن الاضطهاد والعدوان نظام حاكم موجود بعد الحسين، ولا بد ان يسلم بيرق الحق والعدالة للورثة من بعد الحسين، ليؤدي كل منه دوره في التاريخ، حسب الظروف ومقتضيات الزمان ومتطلبات الموقف.

وهذا هو معنى ان الحسين وارث الأنبياء ووراث اوصياء الأنبياء، وانه سيسلم الراية لمن يعقبه في التاريخ، ولا بد ان يبقى هذا البيرق خفاقا في ميادين العمل الدائب حتى ينتهي الى انتصار الانسان في ثورته…الانتصار الابدي الموعود بعد مقتل هابيل… ولكن…. واه من لكن…. اه…»

ان الواقع الإسلامي اليوم يواجه منعطفات في السياسة وفي الامن و في الثقافة ضمن واقع انتقال دولي متعدد الأقطاب و موجات برمجة اللوطية و برمجة الأديان لتقبل الشذوذ و الانحرافات الجنسية و الغاء دور العائلة و الترويج للمخدرات و نشر ثقافة الشيطان للحلف الطاغوتي الربوي العالمي , ان هناك معارك كثيرة على من يتواجد في مواقع المسئولية السياسية في النظام الرسمي العربي و الإسلامي و أيضا من يتواجدون في  مواقع صناعة الفكر و الثقافة والامن و التربية و الاقتصاد , ان عليهم كلهم «واجب شرعي» ان يتصدون لهكذا هجمات خبيثة كلا حسب موقعه و منصبه، لكن نريد ان نركز على احد مواقع الصراعات القادمة التي تريد ضرب الإسلام.

وهو سرطان التخلف والاساطير المنتشر في الموقع النجفي والقمي وهذا السرطان بكل ما يحمله من محاولات خبيثة منحطة سافلة لـ«طقسنة التشيع» ولفصل الإسلام عن الانتماء لأهل البيت عليهم السلام هو من أخطر الأمور التي يواجهها الإسلام المحمدي الأصيل وعلينا ان نعلم ان هناك كربلاء جديدة علينا ان نحارب فيها وان نعيش تكليفنا الشرعي في قول «لا» لكل هذا التيار الأسطوري المدعوم صهيونيا والمسنود مخابراتيا والذي يتغذى من تخلف ذاتي عاشق للخزعبلات.

ان على المخلصين المؤمنين من المتخصصين في الدين في الموقع النجفي والموقع القمي والموقع الازهري ان ينطلقوا في علومهم الدينية للناس وان يحاربوا هكذا توجهات تقتل الحسين باسم الحسين مرة أخرى.

ولن ينفعهم خوف ولا تبرير في يوم القيامة امام رب العالمين، فعليهم ان يكونوا حسينيون الموقف والمبدأ والحركة ولا حياد في معركة الحق مع الباطل. اللهم أنى بلغت اللهم فأشهد.

طبيب استشاري باطنية وغدد صماء وسكري

كاتب كويتي في الشئون العربية والإسلامية

للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا

 

t –  F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية 

أخبار ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى