نون والقلم

د. عادل رضا يكتب: الحرب المعرفية للحلف الطاغوتي الربوي؟!

إن الحلف الطاغوتي الربوي العالمي والحركة الصهيونية يتحركون في حرب معرفية ضد الإسلام المحمدي الأصيل، و هو في خط حركة تطبيقية متواصلة من أجل فرض انحرافات الليبرالية الجديدة «النيوليبرالية» على واقعنا العربي و الإسلامي، وهنا علينا الانطلاق من أجل صناعة شخصيتنا الفردية وذاتنا المعرفية إنطلاقا من الحالة المقدسة للدين وهو القرآن الكريم وإيحاءاته على واقعنا المعاصر، ضمن عقلية تنطلق من النص المقدس لتدرسه و تنطلق من المفاهيم التي يتم إنتاجها لتعزيز الحالة الثقافية للفرد والارتباط الروحي و تعزيز النواحي الإيمانية مما يدعم دفاعات المجتمع ككل انطلاقا من الفرد، ضد هذه الهجمات المبرمجة ضد القيمة الكبرى في حياتنا كـ «عرب» و كـ«مسلمين» و هو الإسلام بما هو مقدس فيه.

إن صناعة جانبنا الحضاري هو سلاحنا المعرفي، ضد الحرب الإدراكية علينا وحرب الأيديولوجيات المقادة ضدنا.

سلاحنا هو أن نقرأ

اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ﴿١٤ الإسراء ﴾

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴿١ العلق ﴾

اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴿٣ العلق ﴾

 وأن نعمل:

قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ ۖ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ ۗ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ﴿١٣٥ الأنعام ﴾

وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿١٠٥ التوبة ﴾

وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ ۖ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ ۖ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ ﴿٩٣ هود ﴾

وَقُل لِّلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ ﴿١٢١ هود ﴾

يقول قسطنطين مالوفييڤ: «الليبرالية، بصورتها العولمية، أضحت ميتة، إنَّا الآن نشهد معاناتها المُبَرِحة لها، ما كان يعتقد فوكوياما إلى حد قريب بأنه نهايةٌ للتاريخ، ذلك الذي تم تقديمه لشعوب العالم ليس كنهايةٍ للتاريخ فقط، بل كقمةٍ للتاريخ تمثل الوصول إلى وجهته الاخيرة، كمجتمعِ الليبرالية الغربية الديموقراطية، اتضح بأنه لا يتعدى كونه مجرد كذبة، اتضح بأن هذا العالم الليبرالي الديموقراطي ليس إلا عالمًا من الفوضى والعنف والتمييز العُنصري والحقد الكوني، عالم محكوم من قبل الأقليات».

وهنا ينطلق ألكسندر دوغين ليصف المشهد كالتالي: «اليوم، نحن نعارض الغرب كحضارة ضد «الحضارة»، ويجب علينا ان نحدد أي نوع من الحضارة نحن وإلا فان أي نجاح عسكري واقتصادي وسياسي لن يُساعدنا وكل ما حقق سيمكن عكسه وارجاعه والاتجاه سيتدمر وكل شيء سينهار».

إن صانع الرأي المخلص في حركته عليه أن يقول «رسالة الكلمة» في الحدث، من دون بهرجات ومجاملات بناء على ادلة وحقائق وقراءة منطقية، ويحاول ان يقرأ ما وراء السطور وما خلف الحدث، وخاصة مما جرى مؤخرا من «جريمة السماح» في احراق القران الكريم، ونحن نشدد على مسألة ان «السماح في الأحراق» هو جريمة أكبر من الحرق ذاته، لأن المسألة بها توظيف لمعتوه او ساعي لشهرة او للمال او مخبول، او انسان شرير لديه عقدة شيطانية ضد الإسلام والمسلمين لأي سبب كان.

فالشخص او الجهة هو أداة توظيفية أيا كان سببها، ولكن الجريمة الأكبر هي في السماح الممنهج والتوظيف المتكرر لهكذا جرائم وانتهاكات لما هو مقدس وعزيز على المسلمين جميعا.

إن الشتم والسب والاهانات، ليست حالة ثقافية، ولا تمثل جانبا أخلاقيا، وليس لها أي إيجابيات الا ما تمثله من جانب شيطاني شرير، وهي صفة مرتبطة بالنواحي السلبية من الفرد، اذن ليس لها قيمة من معلومة او رأي وليست منظومة معرفية «صحية» تؤدي الى هدف صناعة فرد ابداعي في الجانب الروحي او المادي.

فكل الهراء الذي يقال في أوساط الحلف الطاغوتي الربوي العالمي عن حرية التعبير لتبرير جريمة حرق القران الكريم، او سابقا في التطاول على مقام سيد الخلق اجمعين، او في التجاوز عليه في الرواية او القصة، بما هو غير مقبول ومرفوض جملة وتفصيلا، ان كل ذلك يخالف «الثقافة المزعومة» للحلف الطاغوتي الربوي العالمي نفسه وما يدعيه انه متمسك بها ويدعوا اليها وهذا ما سنشرحه بالدليل والحجة.

ولكن قبل ذلك اننا نتصور ان ما يحدث من استمرارية في التطاول و التجاوز يمثل «حالة ممنهجة» و أيضا «توظيف خبيث» و هو أيضا يستند على تقارير علمية في الحرب المعرفية و غسيل الدماغ، و هذا جزء من ما يسمي الليبرالية الجديدة «النيوليبرالية» و ما يدعوا له الحلف الطاغوتي الربوي العالمي و الحركة الصهيونية من نشر اللوطية و الغاء دور الاب و العائلة و خلط الأعراق و صناعة حالة من الميوعة الفكرية التي تمنع صناعة شخصية معرفية ثقافية منطلقة من الدين كمرتكز أساسي او من قومية ثقافية لغوية مصلحية بما ينفع الأرض و الشعب ساعية للوحدة , كمنطلق للتقدم الحضاري للفرد و المجتمع و نقصد هنا القومية العربية لكي نفصلها و نميزها عن باقي القوميات الأخرى التي ترتكز على الدم و العنصر و كراهية الاخر المختلف، لذلك اطلقنا على القومية العربية قومية لغة و ليست قومية عنصر.

حسب تقييمي وما اراه ان كل هذا هو ضمن «حرب معرفية أيديولوجية» وان المسألة منظمة يمارسها الحلف الطاغوتي الربوي العالمي والحركة الصهيونية بناءا على المعطيات التالية:

في كتاب «الحرب الإدراكية» للكاتب «فرانسوا دي كلوزيل»: ينظر إلى العقل البشري الآن على أنه ميدان جديد للحرب؛ حيث إن الحرب الإدراكية لها امتداد عالمي، من الفرد إلى الدول، مروراً بالمنظمات متعددة الجنسيات لأنها تستخدم تقنيات التضليل والدعاية التي تهدف إلى الاستنزاف النفسي لمستهلكي المعلومات؛ حيث يمكن استخدام المعرفة بسهولة كسلاح، وسيكون المجال المعرفي إحدى ساحات القتال في المستقبل، وسيتم تعزيز هذا المنظور بشكل أكبر من خلال التطور السريع لتقنية النانو والتكنولوجيا الحيوية وتكنولوجيا المعلومات وفهم العقل البشري.

«ومن بعض التعاريف المهمة للحرب المعرفية أنها هي حرب الأيديولوجيات التي تسعى إلى تقويض ومحاصرة الثقة التي تكمن وراء كل مجتمع، حيث تستغل نقاط الضعف الكامنة في العقل البشري، في إشارة إلى الطريقة التي يصممها العقل لمعالجة المعلومات».

في يونيو/حزيران 2021 نشر مركز IDEAS التابع لـ حلف الناتو ومقره كندا دراسة أخرى حول موضوع الحروب المعرفية؛ حيث يقدم تعريفات للمصطلحات الإدراكية، مما يشير إلى اعتماد مفهوم الحرب المعرفية من قبل الناتو فيعرف الحرب المعرفية بأنها: «نهج من الأسلحة المشتركة التي تجمع بين القدرات القتالية للهندسة السيبرانية والمعلوماتية والنفسية والاجتماعية لتحقيق النصر دون وجود صراع جسدي».

ويعتبر هذا النوع الجديد من الحروب مرتبطاً باستخدام جهات خارجية للرأي العام كسلاح للتأثير على الشعوب وزعزعة استقرارهم؛ حيث تعرض الدراسة عدداً من التقنيات التي تهدف إلى تحسين عمليات الناتو.

فالحروب المعرفية فضاء جديد للمنافسة يتجاوز الحروب البرية والبحرية والجوية والسيبرانية وتحشد الحروب في المجال المعرفي (والعقل البشري) مجموعة متنوعة وواسعة من الاستراتيجيات والأدوات والتقنيات جوهرها الأساسي هو السيطرة على الأماكن والجماعات والوحدات والمنظمات والأمم، من خلال استهدافها والتأثير على أدمغة أفرادها، المدنيين والعسكريين على حد سواء.

يضيف الأستاذ محمد بارسا نجفي عن الموضوع التالي: في الحرب المعرفية يتم تغيير القدرة المعرفية للناس من خلال نشاط يُدعى إدارة الادراك ويقومون بقلب الحقيقة رأساً على عقب.  وبالتالي تكون حركة الناس في اتجاه يعارض مصالحهم الخاصة ويُلبّي مصالح المحور الغربي. هذه العملية معروفة باسم إدارة الادراك أو الادراك الحسي.

إن ما يدور في أذهان أفراد المجتمع حول القضايا المهمة هو التصور أو الادراك والذي تعمل عليه قطاعات الثقافة والمؤسسات المخابراتية في الدول الغربية عن طريق برامج ثقافية وأيضاً وسائل الإعلام العالمية يسعون لإدارة الادراك للناس في كل دولة.

إن الحلف الطاغوتي الربوي العالمي يغير الحقائق ويقلبها عندما يربط إهانة المقدس الإسلامي في حرية الرأي، وحرية التعبير، وهو يدلس ويكذب على مبادئه هو نفسه عندما ينطلق في صناعة هكذا ربط غير صحيح وخاطئ؟ فعلينا ان نسأل أنفسنا؟

هل الحلف الطاغوتي الربوي العالمي يسمح في حرق أعلام المنحرفين جنسيا واللوطيين؟ أو تمزيق نسخة من التوراة او الإنجيل؟ هل هو مقبول ادانة او انتقاد الاجرام الصهيوني ضد الفلسطينيين؟  هل من المسموح التشكيك في مذابح اليهود أيام النازية؟ ونقاشها أكاديميا او إعلاميا؟ او حتى طرح أسئلة حولها؟ هذه الأمور مرفوضة عندهم كما يعرف الجميع ومجرمة قانونا، ولكن «الحلف الطاغوتي الربوي العالمي» يقول بأن من «حرية التعبير!» هو «حرق القران الكريم والسماح به؟» وهذا الأمر علميا خاطئ لأنه ضمن مقاييس قوانين «هذا الحلف» نفسه هي ليست مقبولة حيث تنص المادة الثانية لشريعة حقوق الانسان على التالي: «يحظر القانون أي دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية التي تشكل تحريضاً على التمييز أو العداء أو العنف».

إذن المسلمون يطالبون بما ألزمت به دول الحلف الطاغوتي الربوي نفسها بها وبما هو موجود في قوانين الأمم المتحدة وكذلك نكرر ما هو مكتوب شرائع حقوق الانسان الدولية والتي كل الدول التابعة في الحلف الطاغوتي الربوي العالمي وقعت عليها واعتمدتها، ولكنها «لا» تطبقها على مقدسات المسلمين؟! وتعمل على تكرار الإساءة للدين الإسلامي والتي تنطلق من تحت «ذريعة» حرية التعبير، وهي ذريعة باطلة، فلا أحد يقبل «حرية للشر»، فهذه الأمور ليست اراء وافكار، بل هي حركة كراهية تحمل العقدة من الإسلام كـ «دين».

إن عملية حرق القرآن الكريم عمل يتضمن التحريض على التمييز والعداء والكراهية، وبالطبع العنف بدليل أنه تسبب في مرات عديدة بعنف متبادل وخلق بيئة معادية للمسلمين بصفتهم الجماعية كمسلمين، ويتضمن عنصرية دينية واضحة، وبالتالي هو عمل محظور في القانون الدولي.

أليس من المفروض على الدول التابعة للحلف الطاغوتي الربوي العالمي ان تلتزم بهذا القانون؟ التي تزعم انه القانون الدولي وان من يخرج عليه هو مارق وضد «الحرية»؟!

لذلك نقول: ان من الواضح ان هناك «توظيف وسماح متعمد وممنهج» لـ«مختل» من هنا، وغريب الاطوار من هناك، او السكوت عن جهة إعلامية من هنالك، وكلها تحت حجة باطلة وهي «حرية التعبير!؟» و«لا» رأي عند هؤلاء و«لا» فكرة ثقافية يقدمونها بل هؤلاء يقدمون «الشر» والاستفزاز و «الشتم».

إذن المسألة توظيفية ومستمرة منذ زمن وواضح ان هناك منهج متكرر للمسألة وهؤلاء «لا» يعرفون و«لا» يقدرون ان المسلمين لن يصمتون ولن يستسلمون، لذلك من خارج الجهات الرسمية للدول الإسلامية كلنا شاهدنا حملات المقاطعة الاقتصادية وبعدها بدأ التنصل الخجول من هكذا تصرف مشين، وبدأت الاعتذارات من هنا وهناك، وهي اعتذارات نرفضها لأنها تحمل نقيضها في نصوصها وعباراتها، حين يتم ذكر بنهاية الاعتذارات المزعومة، بأنها «حرية للتعبير»!؟ اذن هذا إصرار على المسألة وتحدى أكثر وقاحة من الفعل المشين نفسه لحرق القران الكريم وبه إهانة لذكائنا كمسلمين على المستوى الرسمي وأيضا الشعبي وتجاوز ومخالفة للقوانين الدولية كما ذكرنا سابقا.

وهنا يأتي واجب الجهات الرسمية الاسلامية لاتخاذ موقف حركي حازم ليس فقط نحو تلك المسألة بل لمنع تكرارها وردع هذه المنهجية المتواصلة من فترة زمنية وأخرى، وكأن هناك من يريدنا ان ننسى ونتغاضى عن قدسية ديننا الإسلامي الحنيف، وهذه القدسية لن يتنازل عنها أي مسلم.

طبيب استشاري باطنية وغدد صماء وسكري

كاتب كويتي في الشؤون العربية والإسلامية

للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا

 

t –  F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية 

أخبار ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى