صُدِمْتَ من العنوان؟ إليك الحقيقة المُرّة التي تجري تحت سمع وأبصار الجميع. تشترط الدولة للاعتراف بأي عقد أن يتم توثيقه في الشهر العقاري.
يذهب الطرفان إليه بعد اتفاقهما على بنود تفاوضا عليها وارتضياها، بشأن تأجير شقة أو محل، أو بيع أراضي أو سيارات الخ، لاشك أنها تخصهما وحدهما.
يؤجر أحدهما للآخر شقة سكنية، مقابل إيجار شهري معين، ولمدة زمنية محددة، فيفاجئهم الشهر العقاري باستحالة تنفيذ ما اتفقا عليه، ويقلل قيمة الإيجار لأدنى مبلغ، ويخفض مدة العقد لأكثر بكثير من النصف!
الذريعة هنا تتعلق بتقدير الضرائب على الإيجار، فإما يوافقان أو يذهبان إلى مكان آخر- نقابة المحامين!- لإنهاء هذا الجزء من المعاملة.
لا نعرف لماذا «المحامين» وما علاقتها بالأمر، ولكن الذي نعرفه أنه لن يتم توثيق عقد مدته خمس سنوات، ذلك أن القانون يشترط سنتان فقط كحد أقصى! مع تخفيض قيمة الإيجار إلى مائة جنيه فقط!
ما هذا اللامعقول في تراثنا الإداري البيروقراطي؟ قيمة الإيجار تنخفض من آلاف الجنيهات إلى مائة جنيه خلافًا للواقع وبأمر القانون؟ هكذا يحق لمستأجر يحمل عقدا يدفع بموجبه ثلاثة أو أربعة آلاف جنيه، أن يتذرع بهذا المحرر الرسمي الجديد، فينقض اتفاقه، ويصر على دفع مائة جنيه فقط، ويستفيد من هذا الخلل لعامين كاملين، وبعدها «يحلها الحلال»! شرط غريب يغري الناس على نقض اتفاقاتهم وإهدار حقوق طرف من أطراف التعاقد! لماذا؟ ما علاقة الدولة بمدة سريان العقد إن كانت سنتين أو ثلاثة أو خمسة؟ لماذا ونحن لدينا أزمة شديدة في قطاع الاسكان، نهدر حق مستأجر تفاوض مع مالك ليعطيه مدة ايجار مفتوحة، كي لا يتعرض لـ«بهدلة» الانتقال و«التعزيل» كل عامين، وهي فترة قصيرة جدا لا يستطيع أحد فيها أن يلتقط أنفاسه، من عناء إعداد كراتين الأغراض الشخصية والمنقولات والأثاث وتكبد نفقات استئجار شركة نقل وربما أوناش لرفعها حتى الأدوار العليا! «العزال» أصعب عملية يواجهها رب أسرة في حياته، ولا تتكرر سوي مرة واحدة في العمر، لكن أن يرتكبها كل عامين فتلك عجيبة من عجائب الزمن!
ما دخل الدولة في تحديد مدة عقود استئجار الشقق؟ وما الذي تستفيده منها، سوي المزيد من تكدس المراجعين على شبابيك الشهر العقاري لتوثيق عقود تشترطها الدولة لتغيير محل الإقامة، فمن دونها لن يتمكن الشخص من نقل أولاده إلى مدارس مثلا؟! لماذا هذا التعذيب؟ وما الذي تستفيده الدولة من الإصرار على تحرير عقد إيجار بأقل من قيمته الحقيقية، فشتان بين أن تدفع (100) جنيه ينص عليها القانون، وبين أن تدفع المتفق عليه وهو خمسة آلاف مثلا؟
حين يتفق طرفان على بيع سيارة حديثة ثمنها نصف مليون جنية، تفاجأ بأن الشهر العقاري يسمح بأن يكتب في خانة الثمن مبلغا أقل بكثير من المدفوع، بذريعة ارتفاع قيمة الضرائب من دون مبرر. الشهر العقاري يعرف أن هناك تحايلا وتزويرًا ويقبل به؟! في الخارج يبيع الطرفان السيارة عند المرور، ويدفع المشتري الثمن للبائع وينقل الملكية في ثوان معدودات من دون تعقيدات أو تساؤلات، اللهم الا سؤال واحد من الضابط للبائع: هل تقاضيت ثمن السيارة؟!
هنا التزوير في بياناتنا يتم بمباركة القانون!
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية