منذ أيام قليلة، قمنا بتوديع القيمة الوفدية الكبيرة، المستشار مصطفى الطويل، رئيس حزب الوفد الأسبق، والنائب الوفدي بمجلس الشعب عقب عودة الحزب للحياة السياسية في دورتي 1984-1987 و1987-1990.
رحيل المستشار مصطفى الطويل أثار عندي شجون ذكريات مرحلة مهمة في حياتي، هي مرحلة البدايات، ومرحلة انضمامي لحزب الوفد عام 1988، وكنت كلما أشاهد المستشار مصطفى الطويل أشم عبق مقر الوفد القديم في منطقة المنيرة بوسط القاهرة، وأتذكر شخصيات كثيرة تأثرت بها في هذه المرحلة، لأنني لم أكن قد تجاوزت العشرين من عمري في ذلك الوقت.. كنت أقف على سلم فيلا المنيرة مع أقراني وزملائي الوفديين الشبان، لنشاهد مباشرة نواب الوفد وأعضاء الهيئة العليا وهم يدخلون إلى قاعة الاجتماعات الصغيرة حجمًا، الكبيرة قيمةً، وكانت تعج بأبرز الشخصيات السياسية ونجوم العمل العام في ذلك الوقت.
صحيح أنني لم أقترب من المستشار الجليل مصطفى الطويل، إلا بعد وفاة فؤاد باشا سراج الدين عام 2000 إلا أنني كنت أشعر دائمًا أن الرجل يسير على طريق مرسوم بمبادئ وقيم ومنهج الوفد الذي تأسس عام 1918 وكنت أرتاح لرؤيته، ونستطيع أن نقول عنه إنه كان «معجون وفد».
كانت الملاحظة المهمة في شخصية المستشار مصطفى الطويل، هي عدم تغير موقفه النقدي لمرحلة جمال عبد الناصر، رغم ان والده مصطفى باشا الطويل وزير العدل في حكومة الوفد 1950-1951 هو من توسط لعبد الناصر لدخول الكلية الحربية.. كما أن موقفه الرافض لممارسة جماعة الإخوان المسلمين لم يتغير أبدًا حتى خلال التحالف الانتخابي معهم في انتخابات 1984 عبر قائمة موحدة كان مصطفى الطويل أحد عناصرها.
هذا التحالف أسفر عن تراجع شعبية حزب الوفد الذي كان عائدًا بقوة، ونتج عن هذا التحالف أيضًا، أزمات داخلية، لأن وجود عدد من قيادات الإخوان، رغم قلة عددهم، ضمن الهيئة البرلمانية لحزب الوفد، أثار سخط عدد كبير من الوفديين، بل ونتج عن التحالف خروج قيادات وقيم فكرية مهمة من حزب الوفد، مثل الدكتور لويس عوض والدكتور فرج فودة.
ورغم أن الوفد تعامل مع مرحلة جمال عبد الناصر، فيما بعد رحيله، بتطور، وتغير، وموضوعية، فإن الوفديين مازالوا ينظرون إلى التحالف مع الإخوان باعتباره خطأ منهجيًا وفكريًا وسياسيًا كبيرًا.
تمكنت من العثور على شهادة، موثقة للمستشار مصطفى الطويل، عن هذا التحالف، والذي قال عنه كلامًا مهمًا في حديث صحفي يوم 9 أكتوبر 2011 مع زميلنا العزيز عادل الدرجلي، في المصري اليوم، باعتباره شاهد عيان.. قال المستشار مصطفى الطويل: اعترضت من اليوم الأول ولم أوافق أبدًا على هذا التحالف، فقد كنت ممن حضروا اتفاق الوفد مع الإخوان في انتخابات 1984، وكنت وقتها عضوًا في مجلس الشعب، وحضرت لقاءات التنسيق بين فؤاد باشا سراج الدين زعيم الوفد، وعادل عيد المحامي والممثل لجماعة الإخوان في التنسيق الانتخابي وكان وجه عيد مألوفًا ومقبولًا من الوفديين فهو شخصية معتدلة.
ماذا تم في هذا الاتفاق؟
اشترط سراج الدين لاستكمال التحالف مع الإخوان أن يكون مرشح الجماعة تحت عباءة الوفد، ويعمل بأمر حزب الوفد داخل مجلس الشعب، ولكن الإخوان نقضوا عهدهم واتفاقهم مع سراج الدين ومن أول جلسة للبرلمان انفصلوا عنا وحددوا مقاعد لهم، وبدأوا يطالبون بتطبيق الشريعة، ونسوا الاتفاق الذي تم بيننا، فعادة الإخوان هي نقض أي اتفاق معهم إذا لم يكن في صالحهم، والجماعة تخلط بين الدين والسياسة للوصول إلى السلطة وهو أمر لا يجوز.
وما كان موقف الوفد بعدها؟
ندم فؤاد باشا سراج الدين على تحالفه معهم، وقرر عدم التنسيق معهم بعدها أبدًا لأنهم خانوا الوفد في 1984 وحذرنا وقتها من التحالف، ولكن السياسة لابد أن تخطئ فيها حتى تتعلم.
ولماذا تحالف الوفد مع الإخوان عام 1984؟
كانت تجربة وكنا نتصور أننا بتحالفنا معهم سنحصل على الأغلبية التي تمكننا من الحكم.
إذًا.. الوفد أراد أن يستفيد من قوة الإخوان؟
لقد دخلنا التحالف أملًا في أن نكون جبهة قوية تجنبنا الخلافات التي قد تحدث في الانتخابات.
هل كنت تتوقع فشل التحالف بسبب اختلاف الثوابت والتوجهات بين الوفد والجماعة؟
نعم وقلت هذا داخل الوفد فأحد ثوابتنا هي الوحدة الوطنية، في الوقت الذي تفرق فيه الجماعة بين المسلم والمسيحي والرجل والمرأة، فهم لا يقبلون أن يتنامى دور المرأة وكذلك المسيحي، في الوقت الذي يؤمن فيه حزب الوفد بأن المصريين جميعًا سواء أمام القانون، ولهم كل الحقوق وعليهم كل الواجبات.
هذه شهادة الرمز الوفدي الكبير المستشار مصطفى الطويل رحمة الله عليه، وهي تعنى شيئًا واحدًا.. «الوفد والإخوان نقيضان لا يلتقيان».
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية