قبل أيام اجتمع المجلس الأعلى لصناعة السيارات برئاسة الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، وبمشاركة عدد من الوزراء المعنيين، وكان الهدف من الاجتماع هو دفع هذه الصناعة من خلال تضافر جهود عدد من الوزارات مع المجلس الأعلى لصناعة السيارات لتوطين صناعة السيارات بمصر.
وأكد رئيس الوزراء أن هذه الصناعة تحتل أولوية متقدمة لدى الحكومة وتحويل مصر إلى أحد المراكز المهمة في توطين صناعة السيارات صديقة البيئة من خلال حوافز متعددة تقدمها الدولة والمبادرة الرئاسية لإحلال المركبات المتقادمة بأخرى جديدة صديقة للبيئة بهدف خفض الانبعاثات الحرارية والالتزام البيئي.
وهذا الطموح الذي تسعى إليه الحكومة المصرية هو طموح جيد ومشروع لتحويل مصر إلى مركز عالمي لصناعة السيارات صديقة البيئة، ولكن في المقابل هذا أمر يطرح تساؤلات كثيرة في ظل الأزمات الاقتصادية التي تضرب العالم وأيضاً مصر، خاصة أن هذه الصناعة عظيمة التكاليف باعتبارها واحدة من الصناعات المتقدمة، ومعظم دول العالم المتربعة على عرش هذه الصناعة ما زالت تتعامل مع هذه الصناعة من منطلق تجارى واقتصادي بحت، ولم تتجه إلى إنتاج السيارات صديقة البيئة بجدية!
مؤكد أننا مع كل طموح مصري يحدث نهضة في هذا المجتمع، ولكن يجب أن يرتبط أي طموح بواقع المجتمع المصري على شتى المستويات وعلى رأسها الوضع الاقتصادي والمتغيرات العالمية، وأيضاً التركيبة السكانية ونسب البطالة وضروريات السوق المصرية والميزان التجاري مع السوق الخارجية وأولويات المرحلة وغيرها من العوامل التي تحدد مسيرة الوطن الآن، وكلنا يعلم الظروف الضاغطة في هذه المرحلة وجعلت الحكومة تتجه في خطتها للتنمية الاقتصادية للعام المالي 2023 – 2024 إلى وقف بعض المشروعات والعمل على استكمال المشروعات التي بلغت نسبة التنفيذ فيها إلى 70% أو أكثر، وهناك مشروعات تقرر إرجاء استكمال تنفيذها إلى الأعوام المقبلة بسبب الظروف الاقتصادية الحالية.
وكلنا يعلم أن التقلبات العالمية والحرب الروسية الأوكرانية، والصراعات الاقتصادية والتجارية بين الصين وأمريكا، وحروب البنوك المركزية للدول الكبرى باتت ذات تأثير مباشر على اقتصاديات العالم، وتسببت في حالة ارتباك شديد لخطط الحكومات وتحديد أهدافها المستقبلية، وهو ما يستدعى عدم المغامرة في هذا التوقيت والتركيز على الجوانب الاقتصادية الملحة مثل تقليص الفجوات الغذائية وزيادة الصادرات في المجالات الإنتاجية التي نجحت فيها مصر بالفعل، وغيرها من المشروعات التي تحتاج إلى أيدٍ عاملة كثيفة وتساهم في ذات الوقت في تلبية احتياجات السوق المحلية ومواجهة أزمات الاقتصاد المصري.
الحقيقة أن مصر في حاجة ملحة إلى التوجه بشكل حقيقي وفاعل نحو الصناعات الصغيرة ومتناهية الصغر، باعتبارها أهم الصناعات التي تلائم ظروف الاقتصاد المصري وأيضاً المجتمع المصري الذي يزخر بكثافة الأيدي العاملة- المعطلة- وتمتلك مصر سوقًا هائلة تزيد على مائة مليون نسمة في حاجة إلى مثل هذه الصناعات التي ما زالت تغزو الأسواق المصرية من الخارج وتكلف الدولة عشرات المليارات من الدولارات سنوياً، ولا يمكن الاستغناء عنها، ولن تفلح خطط التضييق على استيرادها سواء بمضاعفة قيمة الجمارك أو الحلول المسكنة، باعتبارها سلعاً ضرورية، ويجب على الحكومة أن تضع توطين هذه الصناعات في مصر كهدف استراتيجي، وأن تسخر كل إمكانياتها لتحقيق هذا الهدف باعتباره من أهم عوامل خروج الاقتصاد المصري من عثراته.
وهذا لن يأتي إلا من خلال إقامة المجمعات الصناعية في شتى قرى ومراكز المحافظات وفي المدن الصغيرة على أن تكون مرخصة، وتقديم الحوافز للشباب وربات البيوت للإقبال على العمل والتصنيع والإنتاج، والحقيقة أن هناك عشرات الآلاف من الشباب كانوا يستوردون منتجات من الصين واكتسبوا خبرات كبيرة في مجالاتهم وبعد إغلاق أبواب الاستيراد أمامهم، يبحثون عن موطئ قدم للتصنيع والإنتاج داخل مصر، ولكن قدراتهم المالية البسيطة جعلتهم أيدي معطلة، وتنتظر الفرصة للعمل والتصنيع والإنتاج في بلدهم.
حفظ الله مصر
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية