يرفض هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق أن يرحل في هدوء.. يأبى الرجل الذي بلغ من العمر أرذله أن يترك العالم يعيش في سلام.. هو كما هو لم يتغير، يعشق الصخب الضجيج.. ويضع نفسه دائمًا في بؤرة الأحداث، لم تغيره السنوات ولا تقلبات الأيام، بل زادته قوة وعناداً.
أكمل كيسنجر عامه الـ100 وما زال شخصية مثيرة للجدل.. تصريحاته الأخيرة أثارت الفزع بين السياسيين، خاصة عندما حذر من اندلاع حرب أمريكية صينية.
وكيسنجر هو لاجئ يهودي هرب مع عائلته من ألمانيا عام 1938 وأصبح بعد ذلك وزيرًا لخارجية الولايات المتحدة ومستشارا للأمن القومي الأمريكي في عهد الرئيسين ريتشارد نيكسون وجيرالد فورد، حصل على جائزة نوبل للسلام رغم إرثه الدموي، وهو الوصف الذي أطلقه عليه الكاتب فيريد كابلان، فقد كان العقل المدبر لمجازر تشيلي بقيادة بينوشيه وكانت مجازر ضد الإنسانية. والأمر نفسه كرره في الأرجنتين.. ودعم باكستان في عمليات الإبادة الجماعية ضد بنجلادش، وكيسنجر عاشق للدم والمجازر والمؤامرات وإسقاط الدول، قضى حياته في سبيل شقاء وتعاسة الشعوب.
ربما كانت عقدة الاضطهاد لكونه يهودياً هارباً من ألمانيا وعمره 15 عاما قد لازمته طوال حياته، ودفعته ليكون أكثر دموية، أما هو فيرد على ذلك بأنه كان أكثر واقعية.
ولا ننسى أبداً وقوفه بجانبها وتعويض خسائرها في المعدات في أعقاب حرب 73.. ولكن الوحيد الذي أذله وأدبه كان الملك فيصل رحمة الله عليه، فقد رفض الاستجابة لمطالبه بإنهاء الحظر النفطي وظل الحظر ساريا حتى أبلغ الرئيس السادات الملك فيصل بتغير الموقف الأمريكي.
بعد كل هذا التاريخ الأسود عاد كيسنجر يطل علينا من جديد يبشرنا بالحرب.. ففي حوار أثار الكثير من الجدل مع وول ستريت جورنالجي بمناسبة بلوغه الـ100 عام قال بالحرف الواحد: أعتقد أن الصين بالنظر إلى قوتها خصم محتمل وخطير للولايات المتحدة، وأعتقد أن هذا يمكن أن يتحول إلى صراع، وأن مشكلة بحر الصين الجنوبي يمكن أن تكون سببا للصراع، وإذا لم نجد طرقا لحلها فلا يمكن تجنب الاشتباكات، وأضاف كيسنجر في نظرته السوداوية للمستقبل أن الصراع المحتمل بالنظر إلى الأسلحة الحالية يمكن أن يهدد بتدمير الحضارة، وطالب كيسنجر زعيمي البلدين بإدارة سياستهما بطريقة تقلل احتمالية اندلاع الصراع عسكري بينهما.
هذه كانت تصريحات كيسنجر، تحدث وكأن الحرب وشيكة، تحدث وكأن هناك حالة تأهب قصوى داخل الجيشين الأمريكي والصيني.. تحدث وكأن العالم على موعد مع الفناء.
في اعتقادي أن تصريحات كيسنجر ستلحق بتصريحاته السابقة في دافوس والتي قال فيها إن الحرب الروسية الأوكرانية ستقود العالم إلى حرب باردة بين تحالفات جديدة وهو ما لم يحدث.
فقط علينا أن نضع الأمور في نصابها الصحيح.. فالخلافات الأمريكية الصينية ليست عادية لكنها في نفس الوقت ليست حرباً ستقع خلال ساعات.
لقد انتهى زمن كيسنجر وعليه أن ينصرف في هدوء.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية