نون والقلم

طارق تهامي يكتب: تاريخ لا ينسى في ردهات البرلمان

كلما أمر بين ردهات مبنى البرلمان المصري، التاريخي، أشعر بالفخر والسعادة، عندما أرمق بعيني، صورتي الزعيمين، سعد زغلول ومصطفى النحاس، وهما تزينان حوائط ممرات المبنى العتيق، باعتبارهما اثنين من أهم رموز مجلس النواب، واثنين من أهم رؤسائه عبر التاريخ.

المخلصون لهذا الوطن تبقى ذكراهم لمئات الأعوام، فالزعيم سعد زغلول توفي عام 1927، ومصطفى النحاس توفي عام 1965، ولكنهما، ومعهما فؤاد سراج الدين الذي توفي عام 2000، مازالوا أحياء بيننا بذكراهم ومواقفهم الوطنية الخالدة، فالمصريون لا يزالون يعتبرون هؤلاء الزعماء نقطة ضوء في تاريخ الوطن، لأن مواقفهم التاريخية كانت في منتهى الصلابة للدفاع عن هذا البلد، ومصالحه العليا.

كان الزعيم سعد زغلول أستاذ ثورة 1919 وزعيم الوطنية وشخصية متفردة، تعلم تعليمًا جيدًا رغم توسط حال أسرته وتفوق في عمله بالمحاماة ثم قاضيًا ثم وزيرًا، وكل ذلك لم يمنعه من الانشغال بالقضية الوطنية وخروج مصر من عباءة الاحتلال الإنجليزي والتأسيس للدولة المصرية الحديثة.

وكان الزعيم مصطفى النحاس، أكثر الزعماء الذين واجهوا جماعات الظلام، فقد رفض خلط الدين بالعمل السياسي، ولم تستطع هذه الجماعات أن تتخذ خطوة للأمام أثناء رئاسته للحكومة.

أما الزعيم فؤاد سراج الدين، فيكفيه أنه صاحب معجزة إعادة الوفد للحياة السياسية، بعد تجميد استمر لأكثر من 25 عاماً، وبعد أن اعتقد الجميع أن الوفد قد انتهى للأبد عاد بأبنائه، وسوف يستمر بهم بإذن الله.

كان الوفد، ومازال، هو الحزب الوحيد الذي استطاع الصمود أمام كل التحديات التي واجهها في سبيل الحفاظ على ثوابته، ورغم صعوبة المواقف التي تعرض لها، بقى حتى اليوم بمبادئه وأفكاره، فهو الحزب الأوحد، الذى أكمل مائة عام، وهذا إعجاز، سوف يستمر بقدرة أبنائه المخلصين.

حزب الوفد، هو مدرسة وطنية مصرية خالصة بامتياز، وكثير من قيادات الأحزاب الأخرى في مصر، قديمًا وحديثًا، كانوا أعضاء في الوفد وتعلموا داخله فنون العمل السياسي، ثم تركوه لأسباب أو لأخرى، فأصبحوا قياداتٍ في أحزاب كبرى. فحزب الوفد هو مكان طبيعي لتعليم المبادئ والوطنية أكثر من كونه مؤسسة تسعى نحو مقاعد أو مناصب، وهذا لا يعنى نفى أهمية السعي نحو التمثيل النيابي المناسب، ومهمة أبناء الوفد، الآن، هي الحفاظ على هذه المبادئ، ومعركتهم الحالية، أن تظل هذه القيم مستمرة مئات الأعوام المقبلة.

حزب الوفد كبير.. فهو الحزب الوحيد الذي قاد وشارك في ثلاث ثورات أعوام 1919 و2011 و2013 وكان ينطلق في قيادتها من عقيدة وطنية، وهي التي أحيته مائة عام، فأعمدة الحزب الرئيسية هي مبادئه، فهو واحد من أقدم ثلاثة أحزاب على مستوى العالم، وبقاؤه كل هذه الفترة يؤكد أن مبادئه سليمة ومتوافقة مع طبيعة الشعب وثقافته، وفكره وجذوره الضاربة في عمق التراب الوطني.

التأسيس السليم والعبقري للوفد هو سر استمراره وبقائه لمائة عام كاملة، فقد حرص الزعيم المؤسس سعد زغلول على أن يضم الوفد عناصر الأمة المختلفة، هو سر قوة هذا الكيان الوطني الكبير، ومن وجهة نظري أن «الوفد فكرة غير قابلة للتكرار واستمراره مائة عام هو نتيجة طبيعية لعملية تأسيس سليمة».. ووجهة نظري الأخرى أن «وفد المبادئ الممتزج بوفد التنظيم هو الوفد الحقيقي الذي يمتلك صلابة البقاء».

كل التحية لروح الزعيم سعد زغلول، والزعيم مصطفى النحاس، والزعيم فؤاد سراج الدين، وكل القيادات الوفدية التي دفعت حياتها وجهدها ووقتها وأموالها ثمنًا لحرية هذا الوطن وتقدمه ورفعته، ورغم كل محاولات طمس نتائج هذه الثورة أو التقليل منها، إلا أن المصريين، شعبيًا ورسميًا، كانوا في كل مناسبة يؤكدون أنها الثورة الأم، وأن قيادات الوفد التاريخية ستظل نموذجًا للعمل الوطني المخلص لهذا الشعب.

للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا

 

t –  F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية 

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى